فالمندوب المطلوب ما كان منه في محاسن العبادات
والمكروه في محاسن العادات كالإسراف
ــــ وأنبه القارئ الكريم أنه يتكلم هنا عن التمتع بالطيبات من الأكل
لا عن الأكل نفسه كما سيأتي ــــ فليتنبه
والثاني: المباح بالجزء، مطلوبا بالكل على جهة الوجوب
كالأكل، والشرب، ووطء الزوجات، والبيع، والشراء،
ووجوه الاكتسابات الجائزة، كقوله تعالى: " وأحل الله البيع وحرم الربا "
كل هذه الأشياء مباحة بالجزء، أي إذا اختار أحد هذه الأشياء على ما سواها
فذلك جائز، أو تركها في بعض الأحوال أو الأزمان، أو تركها بعض الناس
ــــ هذا باستثناء الأكل والشرب ـــــ لم يقدح في ذلك
فلو فرضنا ترك الناس كلهم ذلك، لكان تركا لما هو من الضروريات المأمور بها
فكان الدخول فيها واجبا بالكل
والثالث: المباح بالجزء، منهيا عنه بالكل على جهة الكراهية
كالتنزه في البساتين ـــ أو كما في زماننا السفر للسياحة ـــ وسماع تغريد الحمام،
والغناء المباح، واللعب المباح بالحمام أو غيرها، فمثل هذا مباح بالجزء
فإذا فعل يوما ما أو في حالة ما فلا حرج. فإن فعل دائما كان مكروها
ونسب فاعله إلى قلة العقل، وإلى خلاف محاسن العادات
وإلى الإسراف في فعل ذلك المباح
والرابع: ما يكون مباحا بالجزء منهيا عنه بالكل على جهة المنع
المباحات التي تقدح في العدالة المداومة عليها، وإن كانت مباحة
فإنها لا تقدح إلا بعد أن يعد صاحبها خارجا عن هيئات أهل العدالة
، وأخرى صاحبها مجري الفساق، وإن لم يكن كذلك
وما ذلك إلا لذنب اقترفه شرعا.
قال الغزالي رحمه الله:
" إن المداومة على المباح قد تصيره صغيره، كما أن المداومة على الصغيرة
تصيرها كبيرة ". ومن هنا قيل: لا صغيرة مع الإصرار " انتهى.
وخوفا على الأمة من الانهماك والتوسع بالمباحات فيشغلها
ذلك عن طاعة ربها أو يوصلها إلى المكروهات ومن ثم
تكون سبيلا إلى المحرمات، فلا بد حينئذ من تركه لكونه سبيلا إلى الممنوع
فيترك من حيث كونه وسيلة إلى ممنوع كما ذكر ذلك الشاطبي في موافقاته 1/ 104
ومن هنا جاء هذا التحذير نصحا لنفسي أولا
ولإخواني ثانيا فإن الشيطان يلبس على الإنسان بطرق محمودة ابتداء
ليوصله إلى طريق المذموم إذا اتبعه واعتاده فيأنس به، فالشيطان قد وضع
خطمه على قلب ابن آدم فإن ذكر الله خنس، وإن نسي الله التقم قلبه،
وقد يفتح للمرء تسعة وتسعين بابا من الخير يريد به بابا من الشر.
قال تعالى: " لا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين، إنما يأمركم
بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ".
ومما توسع به الناس في باب المباحات سماع الأناشيد والتعلق بمشاهدة المباريات، وتشجيع اللاعبين
هذا مباح في جزئه مكروه أو ممنوع في كله
كما فصلنا ذلك عن الشاطبي رحمه الله آنفا، ألفه أناس وتعلقت به قلوب البعض
، حتى اعتادوه وصار وسيلة إلى الممنوع انشغلوا به عن خير الأعمال
وصدهم الانشغال به عن كثير من الطاعات
الأناشيد الإسلامية: فقد وجدنا من يجعل لها قنوات فضائية
وأصبح الحال عند البعض لا يترك سماعها لا في البيت ولا العمل ولا السيارة
وأخذ آخرون من منشدين وقراء بعمل حفلات أشبه ما تكون
بحفلات المغنين والمغنيات، وكأن الميدان ميدان سباق
وغدت عند آخرين مكسبا ماديا
وتوسع غيرهم فأدخل فيها الدف وبعضهم الطبل
أو ما يسمى بالتأثيرات الصوتية والتي من شأنها
أن تعمل عمل الأدوات الموسيقية
توسع الناس في هذا الجزء من المباح حتى أخرجوه عن أصله
حتى أصبحت كليات، فبلغ الأمر بهم إلى ما نراه اليوم
من تفريط وإفراط
ومن المصائب التي عمت فأعمت ورمت القلوب فأصمت
التوسع في باب المباح باللعب في المباريات
فقد خرجت عن نطاق المباح لتوصل الكثير من الناس
للوقوع بالآثام، فمن مباح يبتغى من ورائه تقوية الجسم ونشاطه
والتسلية والترفية والتنزه بالمباح،
إلى عمل تضاع فيه الصلوات
ويعقد عليه باب الولاء والبراء،
ودعوة نتنة إلى قومية ووطنية
واعتداء وعراك،
ولعب ولهو مع من قاتل أهل الإسلام
وسفك الدماء ونجس المقدسات، حتى أنهم جعلوا من هذا اللعب
مثالا للتسامح والتعايش بغض النظر عما يقوم به الأعداء ممن يتبارون معهم
حتى بلغ بأحد الدعاة أن رفع عقيرته فرحا بفوز فرنسا في كأس العالم
لأن فيها لاعبا مسلما؟؟!!!
تجد المرء منهم يبكي لخسارة فريقه أو منتخبه
ولا تسال له دمعة من أجل دماء المسلمين التي تسفك ليل نهار
هزيمة نفسية وانتكاسة فطرية وذل وهوان ولا حول ولا قوة إلا بالله
فهذا باب عظيم من الأبواب التي أضعفت عقيدة الولاء والبراء
في حياة المسلمين، ويخرج علينا من يدعو إليها
مستدلا بأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم
عن أنواع الرياضة كالرمي والركض
وأهميتها في تقوية الجسم ليسوغ للمجتمع المسلم
المباريات التي نراها اليوم
الأبواب كثيرة نسأل الله أن يغلق عنا فسادها ويفتح لنا الخير منها
ولا حول ولا قوة إلا بالله
¥