ولو أننا لم نحصل من ابن عدي على هذا التفصيل لدفعْنا ثمن غياب التأصيل عن أولئك الذي اعتمدوا حُكما استنتاجيا مِنْ رواية يختص بها ذلك الاتهام!!
فتبين أن الحديث اتفق عليه الثقتان علي بن الحسن بن سليمان شيخ مسلم والحكم بن المبارك وهو ثقة لا بأس به
أما شيخهما عمرو بن يحيى فهو لا بأس به إن لم يكن أرفع، فقد وثقه ابن معين ولم يصح عنه سوى التوثيق
ففي الجرح والتعديل قال ابن أبي حاتم في ترجمة عمرو بن يحيى:
" روى عنه ابن أبى شيبة وابن نمير وعبد الله بن عمر وإبراهيم بن موسى وعبد الله بن سعيد الأشج سمعت أبى يقول ذلك
نا عبد الرحمن قال ذكره أبى عن إسحاق بن منصور عن يحيى بن معين انه قال: عمرو بن يحيى بن سلمة ثقة " ا. هـ
فهذا توثيق صريح صحيح
وروى عن عمرو أيضا سعيد بن سليمان وعبد الرحمن بن صالح ومحمد بن العلاء والحكم بن المبارك وغيرهم
ومن كان هذا حاله من رواية هذا الجمع ومن توثيق ابن معين له توثيقا صريحا فحديثه صحيح ثابت بلا تردد
ولم يثبت في حقه جرح معتبر
وأما ما جاء عند ابن عدي من قوله:
" حدثنا بن أبي عصمة ثنا أحمد بن أبي يحيى قال سمعت يحيى بن معين يقول عمرو بن يحيى بن سلمة ليس بشيء " ا. هـ
ففيه أحمد بن أبي يحيى كذاب معروف
وهو أحمد بن أبي يحيى أبو بكر الأنماطي البغدادي
قال ابن عدي: سمعت موسى بن القاسم بن موسى بن الحسن بن موسى الأشعث يقول حدثني أبو بكر قال سمعت إبراهيم الأصبهاني يقول أبو بكر بن أبي يحيى كذاب
قال الشيخ ولأبي بكر بن أبي يحيى هذا غير حديث منكر عن الثقات لم أخرجه هاهنا وقد روى عن يحيى بن معين وأحمد بن حنبل تاريخا في الرجال " ا. هـ
وهذا إسناد صحيح عن إبراهيم بن أورمة وهو حافظ كبير.
فكيف يعتمد الأزهري الأصلي على رواية كهذه ينقلها راو كذاب ليرد بها التوثيق الذي رواه الأئمة الثقات؟!!
أهي الحاجة إلى تضعيف الأثر وبأي طريقة؟!
أم أنها التعمية والتضليل على العامة الذين لا يمكنهم المتابعة؟!!
ولو أن الأزهري كان غافلا عن دراسة هذه الرواية لعذرناه لكنه اعتُرض عليه ونُبه بأن الرواية عن ابن معين لا تصح فقال:
" من قال أن الجرح لم ينقل بطريق صحيح؟ هذا غير صحيح!! جرح يحيى بن معين للراوي نقله ابن عدي بسند صحيح عنه " ا. هـ كلام الأزهري الأصلي
إنه العناد والتعصب، والتلهف الأعمى لنقد أتباع السلف.
وهذا التصحيح منه لرواية ذلك الكذاب من أبرز ما يدل على أن عداءه لمذهب السلف قائم على المغالطات العلمية وعلى التلبيس لو كان قراءه يعقلون.
يا قوم! انتبهوا!
هذه المغالطة الكاشفة لهذا الأزهري تُنبه العقلاء على أخواتها من المغالطات والتلبيسات
فإن اللص الماهر في السرقة لا يقع في قبضة رجال الأمن إلا نادرا، وكونه نادرا ما يقع لا يدل على أنه نادرا ما يسرق فاللبيب يكفيه الدليل القاطع
فبأي اعتبار صحح الأزهري الرواية وصاحبها كذاب؟! وتلميذه ابن أبي عصمة لم يوثقه أحد فيما أعلم؟!
فهذا هو الأزهري لمن يريد معرفة حقيقته وقد اتخذ من ملتقى الإخوان المسلمين أرضية مناسبة ليحارب آثار السلف ومنهجهم ولكن بقميص العلم وبشعار البحث وبستار الإنصاف
ولو فرضنا أن الرواية كما ادعى الأزهري صحيحة فالأزهري يعلم أن ابن معين يطلق القول: فلان ليس بشيء ويعني أحيانا أن أحاديثه قليلة لا يعني بها دائما الضعف
ففي مقدمة الفتح قال الحافظ ابن حجر:
" ذكر ابن القطان الفاسي أن مراد بن معين بقوله في بعض الروايات ليس بشئ يعني أن أحاديثه قليلة جدا "
وهذا المعنى موافق لحال عمرو بن يحيى كما ذكر ابن عدي من أن رواياته ليست بكثيرة، وبهذا نوفق بين أقوال ابن معين نفسها
لكن الأزهري لا يفهم إلا ما يريد، فما جوابه وقد تهاوت هذه الرواية التي تفرد بها كذاب!!
وأما قول ابن معين في عمرو بن يحيى: " لم يكن يُرضى "
فإليك ما في هذه الرواية مما تجاهله الأزهري جريا على المعتاد
قال ابن عدي:
" حدثنا أحمد بن علي ثنا الليث بن عبدة قال سمعت يحيى بن معين يقول عمرو بن يحيى بن سلمة سمعت منه لم يكن يرضي وعمرو هذا ليس له كثير رواية ولم يحضرني له شيء فأذكره " ا. هـ
وفي إسناده أحمد بن علي بن الحسن بن شعيب المدائني، أبو علي:
قال الدارقطني: لا بأس به.
وقال ابن يونس: لم يكن بذاك، وكان ذا دعابة، وكان جواداً كريماً، حسن الحفظ
¥