فكيف يُعتبر إيراده للرجل في هذا الكتاب جرحا مع كل ما تقدم؟!!
إنه الضعف في الاستدلال، والتشبث بكل ما هو مجرد احتمال ولو كان هشا.
إنه التخبط الدال على الشعور بالفراغ في الحجة
ومثله التعلق بقول ابن خراش عن عمرو بن يحيى: " ليس بمرضي "
نقله ابن حجر في لسان الميزان
وعبارة ابن خراش هذه لو سلمنا بأنها معتبرة فلا يَرُدّ بها توثيقَ ابن معين منصفٌ
فهي عبارةُ جرحٍ مجملة شديدة الإجمال، ولو صَدَرت من أرفع إمام فلا يمكن أن تُقدّم على التوثيق الصريح، فكيف وابن خراش رافضي متهم في جرحه، ومتكلَّم فيه حتى اتُّهم بتحريف الأسانيد، بل واتهم بالزندقة، وكثيرا ما يذكر أهل العلم كابن حجر أنه لا يُلتفت إليه ولا يُنظر إليه، وكم من راو قيل فيه: " تكلم فيه ابن خراش من غير حجة " وغالبا يكون هذا إذا انفرد أو خالف
وهنا عبارته أشبه بعبارة ابن معين السابقة والتي لم تثبت
وعلى كل حال فقوله " ليس بمرضي " لا يحمل أي موجب لرد روايات عمرو، فكيف وهي معارَضة بتوثيق صريح صحيح
لكن كما يقولون " الغريق يتعلق بقشة "
لكن ثمة قشة أخرى أخيرة يصر أخونا الأزهري على مد يده لها
فقد نقل قول الهيتمي عن رواية رواها عمرو:
" وفيه عمرو بن يحيى بن سلمة وهو ضعيف "
فما أعجز أهل الباطل، فبالله عليكم أين المروءة العلمية؟
توثيق ابن معين في القرن الثالث يعارَض بتضعيف الهيتمي في القرن التاسع؟
والأزهري قبل غيره يعلم أن الهيتمي ليس من أهل التحقيق وأنه بنسبة 99 بالمئة إنما اعتمد على تلك الرواية التي تفرد بها كذاب
فبعد بيان أن عبارة التضعيف الوحيدة في حق عمرو بن يحيى وهي قول ابن معين عنه ليس بشيء " قد تفرد بها راو كذاب
وبعد بيان أن العبارة الأخرى " لم يكن يُرضى " هي غير مفسرة ولو صحت فلا تفيد رد روايته لأن التوثيق ثابت مع أنها أيضا قد رواها متهم بالمجون
فهل يليق أن نتعلق بقول من اعتمد على هذه الروايات الواهية من المتأخرين ونحاول التكثر به، ونُوهم أنه طريق آخر مستقل في الحكم على هذا الراوية ونحن في قرارة أنفسنا نعلم أنه ليس لدى من تكلم من المتأخرين كالهيتمي إلا هذه الروايات الواهية
ومثله من ألّف في الضعفاء كابن الجوزي الذي لم يفعل سوى أن نقل كلام ابن معين كما في هذه الروايات؟
هذا لا يفعله من يكون أمينا ويتجنب التلبيس على الناس
وبالله عليكم هل يكون صادقا من يدّعى بكل جرأة أن عمرو بن يحيى قد ضعفه جمهور العلماء؟
فقد قال الأزهري الأصلي عن جرح ابن معين الذي لم يثبت:
" وجرحه موافق لكلام جمهور العلماء .. ابن خراش وابن عدي وابن الجوزي والهيثمي وغيرهم "
هل يصدق على هؤلاء بأنهم الجمهور؟
وقد سبق أن ابن عدي لم يجرحه قط!
وابن الجوزي لم يزد على أن نقل كلام ابن معين الواهي روايةً!
إن لم يكن هذا تدليسا وخداعا للقراء فليس هناك تدليس.
جمهور العلماء؟
يا قوم هؤلاء يستخفون الناس ويلبّسون على العامة ويحاربون الحق بمبادئ منافية للأمانة والدين
هذا هو الأزهري الأصلي الإخواني فكرا وأظن تنظيما المجنّد لمحاربة منهج السلف وستأتي تباعا ملفاته المتعلقة بالتحريفات والتدليسات بما يجلي الحقيقة لكل مريد للحق
وأما يحيى بن عمرو فقد قال عنه يعقوب بن سفيان: لا بأس به كما في المعرفة له (3/ 104)
وقال العجلي كوفي ثقة
وهو شيخ شعبة وروى عنه جمع من الثقات
قال الإمام الألباني مجدد علم الحديث في هذا القرن المنصرم رحمه الله رحمة واسعة كما في الصحيحة (5/ 12):
" ويكفي في تعديله رواية شعبة عنه، فإنه كان ينتقي الرجال الذين كان يروي عنهم كما هو مذكور في ترجمته .. " أ. هـ
وأما عمرو بن سلمة فهو ثقة كما في التقريب لابن حجر، وثقه ابن سعد والعجلي وروى عنه جماعة وهو تابعي معروف من كبار التابعين
فيتلخص من كل ما سبق أن قصة ابن مسعود مع أولئك النفر المجتمعين على التسبيح والتهليل بتلك الهيئة المحدثة قد جاءت من طريق إسناد جيد لا مطعن فيه
ـ يرويه علي بن الحسن والحكم بن المبارك اللذان هما ثقتان
ـ يرويانه عن عمرو بن يحيى بن عمرو الذي صح عن ابن معين أنه قال عنه " ثقة " وذكره ابن حبان في الثقات
¥