تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفرق الشيخ أبو شامة المقدسي في كتابه في الأفعال بين المباح والواجب، فقال: ليس لأحد الاقتداء به فيما هو مباح له كالزيادة على الأربع ويستحب الاقتداء به في [ص: 140] الواجب عليه كالضحى والوتر، وكذا فيما هو محرم عليه كأكل ذي الرائحة الكريهة، وطلاق من تكره صحبته.

والحق أنه لا يقتدى به فيما صرح لنا بأنه خاص به كائنا ما كان إلا بشرع يخصنا، فإذا قال مثلا: هذا واجب علي مندوب لكم. كان فعلنا لذلك الفعل لكونه أرشدنا إلى كونه مندوبا لنا، لا لكونه واجبا عليه، وإن قال: هذا مباح لي أو حلال لي، ولم يزد على ذلك، لم يكن لنا أن نقول: هو مباح لنا، أو حلال لنا، وذلك كالوصال فليس لنا أن نواصل.

هذا على فرض عدم ورود ما يدل على كراهة الوصال لنا، أما لو ورد ما يدل على ذلك، كما ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم واصل أياما تنكيلا لمن لم ينته عن الوصال، فهذا لا يجوز لنا فعله بهذا الدليل الذي ورد عنه، ولا يعتبر باقتداء من اقتدى به فيه كابن الزبير، وأما لو قال: هذا حرام علي وحدي، ولم يقل: حلال لكم، فلا بأس بالتنزه عن فعل ذلك الشيء، أما لو قال: حرام علي، حلال لكم، فلا يشرع التنزه عن فعل ذلك الشيء، فليس في ترك الحلال ورع.

القسم الخامس: ما أبهمه صلى الله عليه وآله وسلم ; لانتظار الوحي كعدم تعيين نوع الحج مثلا، فقيل: يقتدى به في ذلك، وقيل: لا.

قال إمام الحرمين في النهاية: وهذا عندي هفوة ظاهرة، فإن إبهام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محمول على انتظار الوحي قطعا، فلا مساغ للاقتداء به من هذه الجهة.

القسم السادس: ما يفعله مع غيره عقوبة له كالتصرف في أملاك غيره عقوبة له، فاختلفوا هل يقتدى به فيه أم لا؟ فقيل: يجوز، وقيل: لا يجوز، وقيل: هو بالإجماع موقوف على معرفة السبب، وهذا هو الحق، فإن وضح لنا السبب الذي فعله لأجله كان لنا أن نفعل مثل فعله عند وجود مثل ذلك السبب، وإن لم يظهر السبب لم يجز، وأما إذا فعله بين شخصين متداعيين، فهو جار مجرى القضاء، فتعين علينا القضاء بما قضى به.

القسم السابع: الفعل المجرد عما سبق. فإن ورد بيانا كقوله صلى الله عليه وآله وسلم [ص: 141] صلوا كما رأيتموني أصلي و خذوا عني مناسككم وكالقطع من الكوع بيانا لآية السرقة، فلا خلاف أنه دليل في حقنا وواجب علينا، وإن ورد بيانا لمجمل كان حكمه حكم ذلك المجمل من وجوب وندب، كأفعال الحج وأفعال العمرة وصلاة الفرض وصلاة الكسوف، وإن لم يكن كذلك، بل ورد ابتداء، فإن علمت صفته في حقه من وجوب أو ندب أو إباحة، فاختلفوا في ذلك على أقوال:

الأول: أن أمته مثله في ذلك الفعل، إلا أن يدل عليه اختصاصه به، وهذا هو الحق.

والثاني: أن أمته مثله في العبادات دون غيرها.

والثالث: الوقف.

والرابع: لا يكون شرعا لنا إلا بدليل.

وإن لم تعلم صفته في حقه، وظهر فيه قصد القربة فاختلف فيه على أقوال:

الأول: أنه للوجوب، وبه قال جماعة من المعتزلة، وابن سريج وأبو سعيد الإصطخري [ص: 142] وابن خيران وابن أبي هريرة. واستدلوا على ذلك بالقرآن والإجماع والمعقول: أما القرآن فبقوله: وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقوله قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني وقوله فليحذر الذين يخالفون عن أمره وقوله لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وقوله أطيعوا الله وأطيعوا الرسول.

وأما الإجماع: فلكون الصحابة كانوا يقتدون بأفعاله، وكانوا يرجعون إلى رواية من يروي لهم شيئا منها في مسائل كثيرة منها: أنهم اختلفوا في الغسل من التقاء الختانين فقالت عائشة: فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فرجعوا إلى ذلك وأجمعوا عليه.

وأما المعقول: فلكون الاحتياط يقتضي حمل الشيء على أعظم مراتبه.

وأجيب عن الآية الأولى بمنع تناول قوله: وما آتاكم الرسول للأفعال بوجهين:

الأول: أن قوله وما نهاكم عنه فانتهوا يدل على أنه أراد بقوله ما آتاكم ما أمركم.

الثاني: أن الإتيان إنما يأتي في القول.

والجواب عن الآية الثانية: أن المراد بالمتابعة فعل مثل ما فعله، فلا يلزم وجوب فعل كل ما فعله ما لم يعلم أن فعله على وجه الوجوب، والمفروض خلافه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير