الوجه الثالث: قال الشيخ الألباني رحمه الله: أنّ محمد بن يوسف هو ابن أخت السائب بن يزيد، فهو لقرابته للسائب أعرف بروايته من غيره و أحفظ، فما رواه من العدد أولى ممّا رواه مخالفه ابن خصيفة. قال: و يؤيّده أنه موافق لما روته عائشة في حديثها المتقدم أنّ النبي صلى الله عليه و سلم كان لا يزيد على إحدى عشرة ركعة، و حملُ فعل عمر رضي الله عنه على موافقة سنته – صلى الله عليه و سلم – خير و أولى من حمله على مخالفتها.اهـ (ص:51)
و الجواب عن هذا من جهتين؛
الجهة الأولى: أنّ ابن خصيفة يشترك مع محمد بن يوسف في القرابة للسائب؛ فقد ذكر الحافظان المزي في (تهذيب الكمال 10/ 195) و ابن حجر في (تهذيب التهذيب 3/ 391) في ترجمة (السائب بي يزيد) ممن يروي عنه فقالا: " .... وابن أخته يزيد بن عبد الله بن خصيفة وجماعة ".
و قال الباجي في (التعديل و الجرح 3/ 1231): " قال أبو بكر: وسمعت مصعبا يقول: هو ابن أخي السائب بن يزيد ".
و قال الذهبي رحمه الله في (أعلام النبلاء 6/ 157): " يزيد بن عبد الله بن خصيفة ع وخصيفة هو أخو السائب ابني يزيد بن سعيد بن أخت نمر سنان. المدني الفقيه حدث عن السائب بن يزيد وعروة بن الزبير وبسر بن سعيد ويزيد بن قسيط ".
و قال ابن سعد في (الطبقات الكبرى 1/ 273 – 274)، و كان من أعرف النّاس بأنساب المدنيين: " يزيد بن خصيفة ابن يزيد بن سعيد بن ثمامة وهو ابن أخي السائب بن يزيد وروى عن السائب بن يزيد وغيره ... ".
فهما في القرابة سواء ...
و الجهة الثانية: التنبيه على الخطإ الذي يقع فيه مَن يقول أن " العشرين ركعة " مخالفة لحديث عائشة رضي الله عنها، و قد بيّنت بطلان ذلك فيما سبق، و من ثمَّ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " ومن ظن أن قيام رمضان فيه عدد موقت عن النبى صلى الله عليه و سلم لا يزاد فيه ولا ينقص منه، فقد أخطأ ".اهـ من (مجموع الفتاوى 22/ 272). و كلّ الأئمة و العلماء على هذا؛ يرون اسحباب تعمير الأوقات بالصلاة من غير توقيت و لا حدّ. قال الشوكاني رحمه الله في (النيل 3/ 64): " ... قصر الصلاة المسماة بالتراويح على عدد معين وتخصيصها بقراءة مخصوصة لم يرد به سنة ".
فالوجوه التي ذكرها الشيخ الألباني رحمه الله لتوهين رواية ابن خصيفة، ضعيفة وغير وجيهة. و إذا كان لا بد من ترجيح بين الروايتين – مع أنّ الجمع ممكن – فإنّ رواية ابن خصيفة أرجح؛ لأنّ محمد بن يوسف منفرد برواية الإحدى عشرة ركعة و لا متابع له فيها، بل و قد ثبت عنه مثل رواية ابن خصيفة؛ رواها عبد الرزاق في المصنف برقم (7730) عن داود بن قيس وغيره عن محمد بن يوسف عن السائب بن يزيد:" أن عمر جمع الناس في رمضان على أبي بن كعب وعلى تميم الداري على إحدى وعشرين ركعة، يقرؤون بالمئين وينصرفون عند فروع الفجر".
و أمّا ابن خصيفة فله ما يشهد لروايته و يقوّيها؛ من ذلك:
ما رواه الضياء المقدسي في " المختارة " (1161) من طريق أبي جعفر الرازي عن الربيع بن أنس عن أبي العالية عن أبي بن كعب: " أن عمر أمر أبيّا أن يصلي بالناس في رمضان، فقال: إن الناس يصومون النهار ولا يحسنون أن يقرؤا، فلو قرأت القرآن عليهم بالليل؟ فقال: يا أمير المؤمنين هذا شيء لم يكن. فقال: قد علمت ولكنه أحسن. فصلى بهم عشرين ركعة ".
قال: حديث حسن.
إلاّ أنّ الشيخ الألباني رحمه الله ضعّف الحديث بأبي جعفر الرازي، قال: " أورده الذهبي في (الضعفاء) ... ثم أعاده في (الكنى) و قال: " جرحوه كلهم ". و جزم الحافظ في (التقريب) بأنه " سيّء الحفظ " ... إلخ من رسالة (التراويح ص 69).
و الجواب:
أنّ ما ذكره هو و غيره في أبي جعفر الرازي فيه شيء من الظلم و الشطط. فالرجل كما قال ابن عبد البر رحمه الله: " هو عندهم ثقة، عالم بتفسير القرآن " اهـ من (تهذيب التهذيب 12/ 59)، و قال ابن عدي في (الكامل 5/ 254): " ولأبي جعفر الرازي أحاديث صالحة مستقيمة يرويها، وقد روى عنه الناس وأحاديثه عامتها مستقيمة وأرجو أنه لا بأس به "، و هذا هو الصواب. و قال الذهبي في (الميزان 5/ 385): " صالح الحديث ". و مَن انتقده من الأئمة إنما انتقده من قِبَل اتقانه، و بيّنوا جهة خطئه فقالوا: " يغلط فيما يرويه عن مغيرة ".
¥