و قد اختصر الحافظ ترجمته في (التقريب 1/ 629) فقال: " صدوق سيء الحفظ خصوصًا عن مغيرة، من كبار السابعة "، و قوله: " خصوصًا عن مغيرة " لم يذكرها الشيخ الألباني رحمه الله و اكتفى بالشطر الأول من العبارة و هو قوله: " سيء الحفظ " فاختلّ البيان و تشوّه المعنى. فالحديث إذن لا ينزل عن درجة الحسن كما قال الضياء المقدسي رحمه الله.
و من الشواهد التي ترجح رواية " العشرين "، الآثار الصحيحة المستفيضة عن السلف منها:
ما رواه مالك و من طريقه البيهقي (4394) عن عن يزيد بن رومان قال: " كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه في رمضان بثلاث وعشرين ركعة "
و ما رواه البيهقي (7682) كذلك عن يحيى بن سعيد: " أن عمر بن الخطاب أمر رجلا يصلي بهم عشرين ركعة "
وما رواه (7684) أيضًا بسند صحيح عن عبد العزيز بن رفيع قال: " كان أبي بن كعب يصلي بالناس في رمضان بالمدينة عشرين ركعة و يوتر بثلاث "
فهذه الآثار – و إن كان فيها إرسال – فإنها تدلّ على ثبوت الصلاة بعشرين ركعة في عهد عمر رضي الله عنه، و هذا يشبه التواتر ...
و من الآثار الصحيحة عن السلف:
ما رواه البيهقي (4395) عن أبي الخصيب قال: " كان يؤمنا سويد بن غفلة في رمضان فيصلي خمس ترويحات عشرين ركعة "
و ما رواه ابن أبي شيبة (7683) عن نافع بن عمر قال: " كان ابن أبي مليكة يصلي بنا في رمضان عشرين ركعة ويقرأ بسورة الملائكة في ركعة "
و ما رواه كذلك (7688) عن عطاء قال: " أدركت الناس وهم يصلون ثلاثة وعشرين ركعة بالوتر"
فهؤلاء هم أئمة التابعين و قرّاؤهم، و قد أخذوا الشرائع عن جِلّة الصحابة، و هم المقتدى بهم. فهل بقي شك بعد هذا في صحة حديث " العشرين ركعة "؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " فإنه قد ثبت أن أبى بن كعب كان يقوم بالناس عشرين ركعة فى قيام رمضان ويوتر بثلاث، فرأى كثير من العلماء أن ذلك هو السنة لأنه أقامه بين المهاجرين والانصار ولم ينكره منكر.
واستحب آخرون تسعة وثلاثين ركعة بناء على أنه عمل أهل المدينة القديم. وقال طائفة: قد ثبت فى الصحيح عن عائشة أن النبى لم يكن يزيد فى رمضان ولا غيره على ثلاث عشرة ركعة.
واضطرب قوم في هذا الأصل لما ظنوه من معارضة الحديث الصحيح لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين.
والصواب أن ذلك جميعه حسن كما قد نص على ذلك الامام أحمد رضى الله عنه وأنه لا يتوقت فى قيام رمضان عدد، فإن النبيّ لم يوقت فيها عددا وحينئذ فيكون تكثير الركعات وتقليلها بحسب طول القيام وقصره، فإن النبيّ كان يطيل القيام بالليل حتى إنه قد ثبت عنه فى الصحيح من حديث حذيفة أنه كان يقرأ فى الركعة بالبقرة والنساء وآل عمران فكان طول القيام يغني عن تكثير الركعات. وأبيّ بن كعب لما قام بهم وهم جماعة واحدة لم يمكن أن يطيل بهم القيام فكثر الركعات ليكون ذلك عوضا عن طول القيام وجعلوا ذلك ضعف عدد ركعاته فإنه كان يقوم بالليل إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ثم بعد ذلك كان الناس بالمدينة ضعفوا عن طول القيام فكثروا الركعات حتى بلغت تسعا وثلاثين ".اهـ من (مجموع الفتاوى 23/ 112 و 113)
و تأمل هداك الله قوله رحمه الله: " واضطرب قوم في هذا الأصل لما ظنوه من معارضة الحديث الصحيح لما ثبت من سنة الخلفاء الراشدين وعمل المسلمين "، و قد بيّنت و لله المنة بالدليل أن لا تعارض بينهما، و أنّ منشأ هذا الوهم إنما هو عدم استيعاب ما ورد من الأفعال و الأقوال.اهـ
و لو رجعت لرابط الكتاب فوق لأغناك عن نقاش هذه المسألة فهي سهلة جدا و الحق فيها واضح و الله أعلم