تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

في هذا أقوال للعلماء ثلاثة، والراجح الأخير، وهو اختيار شيخنا عبد الرحمن بن سعدي ـ رحمه الله ـ؛ ووجه ذلك أننا لا نحكم بتحريم المرأة ـ مثلاً ـ إلا بدليل لا يحتمل التأويل، ولا يحتمل أوجهاً أخرى، وهذا الأخير لا يحتمل سواه؛ لأن هذا أعلى ما قيل، وعلى هذا فلو أنه رضع أربع رضعات، وتنفس في كل واحدة خمس مرات، فلا يثبت التحريم على القول الراجح، حتى تكون كل واحدة منفصلة عن الأخرى.

وقد بحث ابن القيم ـ رحمه الله ـ هذه المسألة في (زاد المعاد) بحثاً دقيقاً، ينبغي لطالب العلم أن يرجع إليه.

الشرط الثاني: أن يكون الرضاع في زمن يتغذى فيه الطفل باللبن، وهل يحمل على الغالب، أو يحمل على الواقع؟

في هذا للعلماء قولان أيضاً:

القول الأول: أن يحمل على الغالب وهو سنتان، فمتى وقع الإرضاع بعد السنتين فلا أثر له، سواء كان الطفل مفطوماً أم غير مفطوم، وما وقع قبلهما ثبت به التحريم سواء كان الطفل مفطوماً أم لا، وهذا المشهور من المذهب، واستدلوا بقوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} [البقرة: 233]

قالوا: إن هذا التحديد أضبط من أن نحدده بشيء آخر؛ لأن الحولين يمكن ضبطهما بالدقيقة، فإذا ولد الطفل في الساعة الثانية عشرة نهاراً، ودار الحولان وبلغ الساعة الثانية عشرة وقد أرضع أربع مرات، فيبقى عليه رضعة واحدة، فإذا أرضعته المرأة بعد الساعة الثانية عشرة بنصف ساعة مثلاً، فإن الرضاع لا يؤثر؛ لأنه لم يقع في الزمن المحدد، ولا شك أن هذا أضبط.

لكن يضعف هذا أن الإرضاع بعد الفطام لا أثر له في نمو الجسم وتغذيته، فلا فرق بين أن ترضعه وله سنة وثمانية أشهر إذا كان قد فُطِم، أو ترضعه وله أربع سنوات؛ لأنه لن ينتفع بهذا الإرضاع، ولن ينمو به، ويؤيد هذا أن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: «لا رضاع إلا ما فتق الأمعاء، وكان قبل الفطام» (1)، والنفي هنا لنفي التأثير لا لنفي الواقع؛ لأنه قد يُرضَع بعد هذا، أي: لا رضاع مؤثر إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام.

فهذا من حيث المعنى أرجح، وذاك من حيث الضبط أرجح، فلننظر:

أولاً: فإذا فطم لحولين اتفق القولان.

ثانياً: إذا فطم لثمانية عشر شهراً، فإن قلنا: العبرة بالحولين، فالإرضاع بعد ذلك مؤثر، وإن قلنا: بالفطام، فالإرضاع بعد ذلك غير مؤثر.

الثاً: إن لم يفطم إلا لسنتين وخمسة أشهر فإن قلنا بالحولين، فالإرضاع غير مؤثر، وإن قلنا بالفطام فالإرضاع مؤثر بعد الحولين، والمسألة واضحة.

وهل رضاع الكبير مؤثر؟ بعض العلماء يقول: إن رضاع الكبير مؤثر، ولو تجاوز الحولين، أو الثلاثة أو العشرة، واستدلوا بعموم قوله تعالى: {وَأُمَهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} [النساء: 23]، وبناءً على هذا يجب أن نحذر بعض الأزواج الذين يرضعون من ثدي زوجاتهم ـ وهذا واقع ونُسأل عنه ـ لأن الناس الآن من شدة الترف أصبحوا يستمتعون بالنساء من كل وجه، فعلى هذا القول تكون أمه من الرضاع، وحينئذٍ ينفسخ، فينقلب الترف تلفاً، فهو يريد أن يترف نفسه بهذا، لكن بعده المفاصلة.

فلو قلنا بهذا القول ـ وهو قول ضعيف مطَّرح لا عبرة به، لكن حكايته لا بأس بها ـ لكانت المرأة الذكية التي لا تريد زوجها تحتال عليه، وتسقيه من لبنها، وكأنه من ثدي شاة، خمسة أيام، فإذا تم اليوم الخامس تقول له: سلام عليك!!

المهم أن هذا قول مطرح ولا عبرة به؛ لأن السنة يجب أن تكون مقيدة للقرآن؛ لأن الله ـ تعالى ـ قال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ *} [آل عمران]، فلا يمكن أن يصل الإنسان إلى رحمة الله إلا إذا أطاع الله، وأطاع رسوله صلّى الله عليه وسلّم، والسنة هي قول الرسول صلّى الله عليه وسلّم أو فعله أو تقريره.

وقال (ابن عثيمين رحمه الله) في شرح رياض الصالحين:

وعن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح.

الشَّرْحُ

هذان الحديثان ذكرهما المؤلف رحمه الله - في باب الورع وترك الشبهات، فالأول في مسألة الرضاع: حديث عقبة، والثاني في ترك المتشابه: حديث الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير