شهر رمضان فضله وبعض ما يشرع فيه من العبادة»، للشيخ العلاّمة عبد العزيز آل الشيخ
ـ[أبو حجّاج]ــــــــ[19 - 08 - 09, 06:20 م]ـ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
«شهر رمضان فضله وبعض ما يشرع فيه من العبادة»
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فإننا اخترنا أن تكون افتتاحية هذا العدد من هذه المجلة (1) المباركة النافعة حول شهر رمضان، فضله وبعض ما يشرع فيه من العبادات. فإن الله سبحانه وتعالى قد من علينا بهذا الشهر الكريم المبارك، زمن فاضل خصه الله بمزيد من الخصائص من بين سائر الشهور، فهو الشهر الذي أنزل فيه القرآن كتاب الله العظيم يقول الله عز وجل: ((شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ)) [سورة البقرة /185] في هذا الشهر تفتح أبواب الرحمة، وتغلق أبواب النيران وتصفد الشياطين، فتكون النفوس المؤمنة مقبلة على طاعة ربها، معرضة عن معاصيه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين)) رواه الجماعة إلا أبا داود بألفاظ متقاربة عن أبي هريرة رضي الله عنه.
وجاء عند بعضهم عن غيره، وزاد الترمذي وابن ماجه والنسائي في رواية: ((وينادي مناد: يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة)) [قال الألباني - رحمه الله -: صحيح (صحيح الترمذي) رقم 682] وفي بعض الروايات: ((تقييد التصفيد والغل بمردة الشياطين))؛ فاختلفت أنظار العلماء في شرحه وبيانه فمنهم من قال:
إن التصفيد خاص بمردة الشياطين دون غيرهم تقليلا للشر في هذا الشهر،
وقال بعضهم: إن هذا الفضل إنما يحصل للصائمين الصوم الذي حوفظ على شروطه، وروعيت آدابه.
وقال آخرون -وهو الأقرب إلى الصواب بإذن الله-: إن تصفيد الشياطين على حقيقته، ولا يلزم من تصفيد جميع
الشياطين أن لا يقع شر ولا معصية؛ لأن لذلك أسبابا غير الشياطين، كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة، والشياطين الإنسية، فالمقصود أنه وبكل حال فإن هذا الشهر فرصة لمن وفقه الله وفتح على قلبه للإقبال على طاعته، والبعد عن معاصيه لتوفر أسباب ذلك ودواعيه. ويستفاد من هذا الحديث بزياداته فضيلة أخرى، وهي أن لله في هذا الشهر عتقاء من النار وذلك كل ليلة. وفضائل هذا الشهر الكريم كثيرة عظيمة ذكرنا فيما مضى طرفا منها.
ودخول هذا الشهر الكريم لا يثبت إلا بأحد أمرين:
الأول: رؤية هلال رمضان. فيثبت الشهر بذلك بإجماع المسلمين؛ لقول الله تعالى: ((فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ)) [سورة البقرة /185] وفي حديث ابن
عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رأيتموه فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا)) متفق عليه.
ويكفي في ثبوت الرؤية إخبار عدل واحد من المسلمين برؤيته له، على الصحيح، لقول ابن عمر رضي الله عنهما: ((تراءى الناس الهلال، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته، فصام، وأمر الناس بصيامه)) رواه أبو داود والدارمي وابن حبان والحاكم والبيهقي، وصححه ابن حزم.
وفي حديث ابن عباس قال: ((جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني رأيت الهلال- يعني رمضان- فقال: أتشهد أن لا إله إلا الله؟ قال: نعم. قال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ قال: نعم. قال: يا بلال أذن في الناس فليصوموا غدا)) رواه أصحاب السنن.
الأمر الآخر: الذي يثبت به دخول شهر رمضان؛ إكمال عدة شعبان ثلاثين يوما، فإنه إذا لم ير الهلال أكملت عدة شعبان ثلاثين يوما، سواء كان الجو صحوا أو غائما أو قترا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الشهر تسع وعشرون ليلة، فلا تصوموا حتى تروه، فإن غم عليكم فأكملوا العدة ثلاثين)) متفق عليه واللفظ للبخاري، وفي معناه أحاديث أخرى في الكتب الستة وغيرها. ومن رأى الهلال فردت شهادته فإنه لا يصوم إلا يوم صوم الناس؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الصوم يوم تصومون)) أخرجه الترمذي.
¥