وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الصيام جنة، فلا يرفث ولا يجهل وإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل: إني صائم- مرتين- والذي نفسي بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي، الصيام لي وأنا أجزي به، والحسنة بعشر أمثالها)) رواه البخاري وغيره من أهل السنن، وفي لفظ للبخاري: ((يدع شهوته وأكله وشربه من أجلي)).
وقد أجمع المسلمون على أن هذه الأمور الثلاثة مفطرة للصائم مفسدة لصومه.
* القسم الثاني من المفطرات:
ما وقع فيه الخلاف بين العلماء هل يعد مفطرا أم لا؟ وهذا القسم تحت أنواع:
منها: الحجامة، والصحيح أنها تفطر الصائم، فعن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفطر الحاجم والمحجوم)) رواه أحمد والترمذي وغيرهما. وفي الباب عن ثوبان وشداد بن أوس وأبي هريرة وعائشة وأسامة بن زيد ومعقل بن سنان الأشجعي رضي الله عن الجميع. قال الإمام أحمد رحمه الله: أصح حديث في هذا الباب حديث ثوبان وشداد بن أوس، وحسن أبو زرعة رحمه الله هذا الحديث من طريق أبي هريرة،
وقال الدارمي رحمه الله: صح عندي حديث ((أفطر الحاجم والمحجوم)) بحديث ثوبان وشداد بن أوس وأقول به. وقال الإمام أحمد: أحاديث ((أفطر الحاجم والمحجوم)) و ((لا نكاح إلا بولي)) يشد بعضها بعضا. وأنا أذهب إليها. وكلام أئمة الحديث في الاحتجاج بهذا الحديث كثير، يصعب سرده هنا. وفي معنى الحجامة التبرع بالدم.
ومن المفطرات أيضا ما كان بمعنى الأكل والشرب مما يحصل به غذاء البدن، كالإبر المغذية، وكحقن الدم في جسم الصائم، وكذلك أيضا الأدوية والعلاجات التي تؤخذ من الأنف أو الفم؛ لأنهما منفذان للجوف أما الفم فواضح، وأما الأنف فدليله قول النبي صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما)) [سنن الترمذي الصوم (788)،سنن النسائي الطهارة (87)،سنن أبو داود الطهارة (142)،سنن ابن ماجه الطهارة وسننها (407)،مسند أحمد بن حنبل (4/ 211)].
ومن المفطرات أيضا: إنزال المني بشهوة، بنحو استمناء أو تكرير نظر لما تقدم من عموم حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند البخاري: ((يترك طعامه وشرابه وشهوته)).
ولا يفطر بالاحتلام ولا بالإنزال الناتج عن التفكير؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم)) متفق عليه.
ومن تعاطى شيئا من المفطرات السابقة في نهار رمضان عامدا مختارا، وجب عليه المبادرة إلى التوبة والتضرع إلى الله عز وجل لعله أن يعفو عنه ويغفر له تلك الزلة. ومع التوبة يجب عليه يوم مكان ذلك اليوم الذي أفطره.
والمجامع في نهار رمضان عامدا مختارا يجب عليه مع التوبة النصوح، وقضاء يوم مكان كل يوم أفسده بالجماع، كفارة عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا، والدليل على ذلك ما رواه الجماعة بألفاظ متقاربة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هلكت يا رسول الله، قال: وما أهلكك؟ قال: وقعت على امرأتي في رمضان. قال: هل تجد ما تعتق رقبة؟ قال: لا. قال: فهل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟ قال: لا. قال: فهل تجد ما تطعم ستين مسكينا؟ قال: لا. قال: ثم جلس فأتي النبي صلى الله عليه وسلم بعرق فيه تمر. فقال: تصدق بهذا، قال: فهل على أفقر مني؟ فما بين لابتيها أهل بيت أحوج إليه منا. فضحك النبي صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه. وقال: اذهب، فأطعمه أهلك)).
ومن أخر قضاء يوم من رمضان حتى دخل عليه شهر رمضان الآخر، وجب عليه مع القضاء، كفارة للتأخير، أفتى بذلك جمع من الصحابة كأبي هريرة وابن عباس وابن عمر رضي الله عن الجميع.
ومن تعاطى شيئا من المفطرات ناسيا أو جاهلا أو بغير اختياره فهو معذور ولا شيء عليه؛ لقوله تعالى: ((رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا)) [سورة البقرة /286].
¥