ولا يفطر الصائم بنحو قلع سن أو دواء جرح وإن وجد طعمه في الحلق، ولا بخروج الدم من السعال أو الرعاف، أو الناسور أو الباسور، ولا يفطر أيضا بشم الطيب، ولا البخور، لكن ينبغي له التحرز من الاستعاط بالبخور واستنشاقه؛ لأن له جرما ربما وصل إلى الجوف. ولا بأس باستعمال معاجين الأسنان، ونحوها من المنظفات مع التحفظ عند استعمالها لئلا يتحلل شيء منها فيذهب إلى الجوف، وترك ذلك في نهار رمضان أحوط للصائم؛ لأن له نفوذا قويا.
ويشرع للصائم كغيره السواك أول النهار وآخره؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة)) أخرجه الجماعة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ولم يصح في النهي عنه للصائم حديث فيما نعلم.
وإن مما يجب على المسلم تركه في كل وقت- ويتأكد ذلك عليه في رمضان لحرمة الزمان- المحرمات بأنواعها، فأعظم ذلك صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله، كمن يذبح أو ينذر لغير الله من حجر أو شجر أو نبي أو ولي أو ملك، أو يطلب منه المدد أو الغوث، فإن ذلك كله من الشرك بالله يقول الله عز وجل:
((وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا)) [سورة الجن / 18]
وعاقبة الشرك وخيمة يقول الله: ((إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)) [سورة النساء / 48] ويقول سبحانه: ((إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)) [سورة المائدة /72].
ومما يجب على العبد التنبه له في هذا الشهر أيضا أمر الصلاة فإن أمرها عظيم، من حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع، فالحذر الحذر من التساهل فيها أو أدائها في غير وقتها، فإن هذا فعل أهل السوء يقول الله سبحانه: ((فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا)) [سورة مريم / 59].
ومن المحرمات التي يجب التنبه لها: عقوق الوالدين، والسحر، وأكل مال اليتيم، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، والزنا، والربا، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات، وشهادة الزور، والكذب، والخيانة، وشرب الخمر، وأكل أموال الناس بالباطل. ومنها: الغيبة والنميمة. وغير ذلك من المحرمات التي يجب على المسلم البعد عنها كل وقت، ويتأكد عليه في هذا الشهر الكريم أن ينزه عنها صومه، حتى يكون من الصائمين المحافظين على صيامهم.
ثم إن الصائم سواء كان رجلا أو امرأة، قد يعرض له من العوارض ما يشرع معه الفطر في نهار رمضان. فمن الأعذار:
المرض، يقول الله عز وجل: ((فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)) [سورة البقرة / 184].
والمريض له أحوال:
أولها: أن يكون مرضه خفيفا عارضا، لا يؤثر فيه الصوم، لا بشدة في المرض، ولا بتأخر في زمن البرء، فمن كانت هذه حاله فإنه لا يباح له الفطر، وهذا كمن يعرض له بعض الصداع في نهار صيامه، ونحو ذلك.
ثانيها: أن يكون الصوم يؤثر على صحته إما باشتداد المرض، أو بتأخر زمن البرء، فهنا يستحب له الفطر.
ثالث الأحوال: أن يكون الصوم مضرا به ضررا بينا، وقد يؤدي به إلى الهلكة، فهنا يتأكد تأكدا كبيرا، إبقاء على نفسه ودفعا للضرر عنها، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((لا ضرر ولا ضرار)) [سنن ابن ماجه الأحكام (2340)، مسند أحمد بن حنبل (5/ 327). . والحديث: صححه الإمام أحمد والحاكم وغيرهما.]، والله سبحانه وتعالى يقول: ((لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا)) [سورة البقرة / 286]. ويقول سبحانه: ((فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)) [سورة التغابن / 16].
ومن العلماء من قال: بوجوب الفطر في هذه الحال؛ لأن الله تعالى يقول: ((وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)) [سورة البقرة / 195]. ومنهم من قال: بعدم الوجوب، وأن الصوم مكروه فقط وليس بمحرم. والقول بالوجوب أقرب.
¥