وبكل حال؛ فإن العبد إذا علم من نفسه عدم الصبر على شدة المرض أو زيادته، وأن ذلك ربما أدى به إلى التشكي والتسخط، فإنه والحالة هذه يجب عليه أن يفطر؛ لأن صوم من هذه حاله وسيلة إلى المحرم، وهو التسخط والجزع، وما كان وسيلة إلى المحرم فهو محرم. ولا ينبغي أن يكون في هذا خلاف.
فإذا أفطر من شرع له الفطر بسبب المرض لزمه أحد أمرين:
إما القضاء بعدد الأيام التي أفطرها، أو الإطعام عن كل يوم مسكينا نصف صاع من الطعام، على التفصيل الآتي بيانه: فالمريض الذي يرجى برؤه إذا أفطر لزمه القضاء، ولا يلزمه الإطعام، ولا يجزئه لو فعله.
فإذا استمر به المرض بعد رمضان ولم يتمكن من القضاء، حتى مات، لم يلزمه شيء، ولا يلزم ورثته أيضا شيء. أما إن تمكن من القضاء ففرط ولم يصم حتى مات؛ فإنه يشرع لوليه أن يصوم عنه؛ لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((من مات وعليه صوم صام عنه وليه)) متفق عليه؛ ولأنه دين عليه؛ ودين الله أحق بالوفاء.
أما المريض الذي لا يرجى برؤه، فإنه لا يلزمه إلا الإطعام، فإن أطعم سقط عنه الفرض، وله أن يطعم جمعا من المساكين بعدد الأيام التي أفطرها، في يوم واحد، بأن يصنع لهم وليمة ويدعوهم إليها أو يوزعها عليهم.
فإن شفي من المرض بعدما أطعم لم يلزمه القضاء؛ لأنه فعل الواجب عليه فبرئت ذمته. وإن مات وهو لم يطعم، أطعم عنه من ماله قبل قسمة التركة؛ لأنه دين ثابت في ذمته، حتى لو مات في أثناء الشهر ولم يطعم عما مضى من الأيام أطعم عنه من ماله.
ومن الأعذار المبيحة للفطر في نهار رمضان، السفر، فإن المسافر مسافة قصر يشرع له الفطر لقوله تعالى:
((فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ)) [سورة البقرة/184].
فإذا أفطر المسافر في سفره، لزمه القضاء بصيام يوم مكان كل يوم من رمضان أفطره في سفره.
والتفضيل بين الفطر والصوم في السفر مسألة مشهورة عند أهل العلم، والخلاف فيها معروف ولكل دليله، وينبغي أن يعلم أن هذا الخلاف فيما إذا كان الصوم لا يشق على المسافر، أما إن كان شاقا عليه، فلا شك حينئذ في استحباب فطره؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لما رأى رجلا قد ظلل عليه، قد أعياه الصوم في السفر: ليس من البر الصيام في السفر)). [صحيح البخاري الصوم (1844)،صحيح مسلم الصيام (1115).]
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم قد شدد في هذا كثيرا، فإنه ((لما خرج عام الفتح وكان صائما، فلما بلغ كراع الغميم، قيل له: إن الناس قد شق عليهم الصوم، فأفطر وأمر الناس بالفطر، فبلغه أن أناسا لا يزالون صياما، فقال صلى الله عليه وسلم: أولئك العصاة، أولئك العصاة)). [صحيح مسلم الصيام (1114)،سنن الترمذي الصوم (710)،سنن النسائي الصيام (2263).]
وإذا كان القوم صحبة في سفر، وكان بعضهم صائما وبعضهم مفطرا، فإنه لا ينبغي أن ينكر هذا على هذا؛ لأن كلا منهما قد اتبع سنة، فالصائم عمل بفعل النبي صلى الله عليه وسلم في غالب أسفاره. والمفطر عمل بقوله وبفعله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره؛ ولأن الصحابة رضي الله عنهم كانت هذه حالهم في أسفارهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول أنس رضي الله عنه: ((كنا نسافر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا الصائم ومنا المفطر، فلم يعب الصائم على المفطر، ولا المفطر على الصائم)) [صحيح مسلم الصيام (1117)،سنن الترمذي الصوم (713)،سنن النسائي الصيام (2310)،مسند أحمد بن حنبل (3/ 50)].
ومن الأعذار التي يشرع لأجلها الفطر للصائم سواء كان رجلا أو امرأة: الكبر، فالكبير إذا شق عليه الصوم أفطر، وأطعم عن كل يوم مسكينا، دليل ذلك قوله تعالى: ((وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ)) [سورة البقرة /184]. قال ابن عباس رضي الله عنهما: " ليست بمنسوخة. وهو الشيخ الكبير، والمرأة الكبيرة، لا يستطيعان أن يصوما، فيطعمان مكان كل يوم مسكينا " رواه البخاري.
¥