ومن الأعذار التي يختص بها النساء دون الرجال: الحيض والنفاس، فالحائض لا يجوز لها الصوم، ولا يصح منها لو فعلت، وهي آثمة بصومها حال حيضها، وذلك بالإجماع. دليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث خطبته لأحد العيدين، ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم منكن يا معشر النساء، قلن له: وما نقصان عقلنا وديننا؟ قال: أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان عقلها. أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ قلن: بلى. قال: فذلك من نقصان دينها)) متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه. والنفساء لها حكم الحائض.
ويجب على كل من الحائض والنفساء، قضاء يوم عن كل يوم أصابها فيه الحيض والنفاس أثناء رمضان، لحديث معاذة، أنها سألت عائشة رضي الله عنها: ((ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ قالت: أحرورية أنت؟ قالت: لست بحرورية، ولكنني أسأل. قالت: كان يصيبنا ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة)) رواه الجماعة بألفاظ متقاربة.
ومن الأعذار التي يختص بها النساء أيضا، الحمل والإرضاع،
فإن الحامل أو المرضع إذا خافتا على نفسيهما أو ولديهما جاز لهما الفطر، أفتى بذلك بعض الصحابة رضي الله عنهم أجمعين. فإن أفطرت الحامل أو المرضع خوفا على نفسها، لزمها قضاء يوم مكان كل يوم أفطرته بسبب ذلك. وإن أفطرتا خوفا على ولديهما، لزمهما مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم، وهذا مروي عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أجمعين ثم أنه يحسن هنا التنبيه لبعض الأمور:
أولا: أن النية في شهر رمضان واجبة، ويكفي أن ينوي العبد المسلم أنه سيصوم رمضان في أول الشهر، ويستصحب حكمها بقية الشهر، بمعنى ألا يقطع الصيام لا بفعله ولا بنيته، فإن قطعه بفعل أو بنية لزمه استئناف نية جديدة.
وأمر النية قد يشكل على كثير من المسلمين، وقد يورث عند بعضهم الوسوسة، وهو أمر يسير، فالنية إنما هي العزم على الصيام، والعبد المسلم منذ أن يعلم أن غدا من رمضان وهو عازم على صيامه إلا إن كان فيه مانع من الموانع، ومحل النية القلب ولا يجوز التلفظ بها.
ثانيا: ينبغي للمسلمين أن يحرصوا على السنة في تعجيل الفطور، لحديث سهل بن سعد رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)) متفق عليه.
وفي تأخير السحور جاء حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه، قال: ((تسحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قمنا إلى الصلاة. قلت- أي الراوي عن زيد-: كم كان قدر ذلك؟ قال: خمسين آية)) متفق عليه.
ثالثا: يلاحظ على كثير من المسلمين السهر في ليالي هذا الشهر الكريم على الملهيات، حتى إذا اقترب وقت السحر ناموا، ففاتهم فضل السحور وفضل إدراك وقت النزول الإلهي، وربما فاتتهم صلاة الفجر والعياذ بالله، فالواجب على العبد الحزم في ذلك، وأن يجعل شهره هذا موسما للازدياد من الطاعات، وأن لا ينشغل بما يصده عن الله من الملهيات.
ومن العبادات المشروعة في هذا الشهر الكريم عبادة القيام، قيام الليل فإنه دأب الصالحين، وقد شرعه الله لنبيه صلى الله عليه وسلم ولأمته في كل أيام العام، بل كان واجبا عليهم ثم خفف الله عنهم يقول الله: ((إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)) [سورة المزمل / 20].
¥