ويشرع لمن أراد اعتكاف العشر أن يدخل معتكفه بعد صلاة الصبح من اليوم الحادي والعشرين؛ لحديث عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها في الصحيحين: ((أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الصبح دخل معتكفه)) متفق عليه.
وقد ذكر بعض العلماء أن المعتكف ينبغي له أن يبدأ في اعتكافه من غروب شمس يوم العشرين من رمضان؛ ليدرك ليلة إحدى وعشرين وهي إحدى الليالي الوتر التي يرجى فيها ليلة القدر، بل قد حصل ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكانت ليلة القدر هي ليلة إحدى وعشرين، كما مر قريبا في حديث أبي سعيد الخدري.
وأجاب هؤلاء العلماء عن حديث عائشة بأنها رضي الله عنها إنما ذكرت دخول النبي صلى الله عليه وسلم المعتكف في صبيحة إحدى وعشرين، ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتخذ مكانا مهيأ له في المسجد ليعتكف فيه، وهذا لا يمنع كون الرسول صلى الله عليه وسلم قد مكث في المسجد من غروب الشمس حتى الصبح، ثم دخل المعتكف بعد صلاة الصبح، ولعل هذا القول هو الأقرب.
وينبغي للمسلم أن يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم ويهتدي بهديه، ويحرص على اتباع سنته، فيعتكف اعتكافا كما اعتكفه النبي صلى الله عليه وسلم في وقته وهيئته وأن يبتعد عما يخدش ذلك أو يبطل اعتكافه من الأقوال والأعمال فالأمر يسير
والأيام قليلة، فعلى العبد أن يوطن نفسه على الصبر في مواطن الطاعات، فإن ذلك من أجل القربات.
ثم إن على المسلم أن يحرص في آخر هذا الشهر بكثرة العبادات والاجتهاد فيها خصوصا في ليالي العشر، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد المئزر وأيقظ أهله وأحيا ليله، وإحياء الليل يكون بالصلاة والذكر والدعاء وتلاوة القرآن والاستغفار، وغير ذلك من العبادات.
إخواني إن شهر رمضان من الأزمان الفاضلة والمواسم الخيرة التي ينبغي للمسلم اغتنامها بالصالحات، والحرص على الطاعات، فكم من أخ لنا انتظر هذا الشهر ولم يستقبله، وكم ممن استقبله لم يكمله، وكم ممن أكمله لم يدركه من قابل.
والله سبحانه تفضل على عباده المسلمين بهذا الشهر الكريم وشرع لهم من العبادات ما يكون لهم به الأجر العظيم، والخير الكثير. وقد خص الله هذه الأمة على سائر الأمم بمزيد منه وعطائه، فالأعمار قصيرة، والأعمال قليلة، والأجور مضاعفة كثيرة، فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما بقاؤكم فيمن سلف من الأمم كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أوتي أهل التوراة التوراة فعملوا بها حتى انتصف النهار، ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل فعملوا به حتى صليت العصر، ثم عجزوا فأعطوا قيراطا قيراطا، ثم أوتيتم القرآن فعملتم به حتى غربت الشمس فأعطيتم قيراطين قيراطين، فقال أهل الكتاب: هؤلاء أقل منا عملا وأكثر أجرا، قال الله: هل ظلمتكم من حقكم شيئا؟ قالوا: لا. فقال: فهو فضلي أوتيه من أشاء)) رواه البخاري.
اللهم اجعلنا ممن أدرك هذا الشهر الكريم، ووفقته فيه للصيام والقيام والذكر والدعاء وسائر الطاعات، اللهم واجعل عملنا فيه صالحا، ولوجهك خالصا، اللهم اجعلنا فيه من عتقائك من النار، اللهم واجعلنا ممن أدرك ليلة القدر، فكتبت له فيها عظيم الأجر، اللهم وفقنا للأعمال الصالحة بعد رمضان، وأعده علينا أعواما عديدة والأمة الإسلامية في خير حال يا رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه واقتفى أثره إلى يوم الدين.
سماحة الشيخ العلامة عبد العزيز بن عبد الله بن محمد آل الشيخ
مفتي عام المملكة العربية السعودية
ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء
- حفظه الله ورعاه -
= = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = = =
(1) ((مجلة البحوث الإسلامية)) - العدد: 61 - من رجب إلى شوال لسنة 1421هـ -.
جزى الله سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ خير الجزاء،ونفع به،وبارك في عمره،وختم لنا وله بالحسنى،وجعل هذا الجهد المبارك في ميزان حسناته. آمين.
أخوكم المحبّ
سَلمان بن عَبد القَادر أبُوْ زَيْدٍ
(منقول)