أقول بعد رجاء الله وطلبه العون والسداد إني لا أختلف مع من يقول إن الرؤية وسيلة لثبوت الدخول في شهر رمضان والخروج منه ولكن الأصل في الوسائل أن تكون متكافئة في الإيصال إلى المقصد الشرعي أو أن تكون إحداها تؤدي إلى ذلك المقصد في طريقة أكمل. وحتى أبين هذه القضية لأنها محور من محاور الخلاف بين القائلين بالحساب والمعارضين له, نحن نعلم أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أمر بتحري القبلة عند الصلاة وما ناط هذا التحري برؤية هلال أو شمس ولكن العقل ناطه بالجهات الأربع قديما والجهات الست حديثا. ومما لا يشك فيه أن تحري القبلة عن طريق الجهات وسيلة للوصول إلى مقصد شرعي وهو التوجه إلى القبلة عند أداء الصلاة ومما لايشك فيه أن تحري القبلة عن طريق الجهات غير مضمون من الخطأ وانحرافه المعياري كما نقول في علم الإحصاء غير قليل. ثم جاءت بعد ذلك وسيلة ذات دقة عالية وهي البوصلة و معلوم أن انحرافها المعياري أقل بكثير من الانحراف المعياري عند تحري القبلة عن طريق الجهات. ومما لاينكر أن الوسيلتين متكافئتان من حيث الوصول إلى المقصد الشرعي ولكن البوصلة أكمل من الوسيلة الأولى فالأولى استخدامها عند تيسرها وعدم التعويل على العقل لاحتمال خطائه.
والمثال الآخر هو مواقيت الصلاة والتي ناطها رسول الله –صلى الله عليه وسلم- بمواقيت يعرفها الناس من شروق وغروب وشفق وغسق وظل ومما لايختلف عليه أحد أن هذه وسائل تؤدي إلى مقصد شرعي وهو الصلاة في أوقاتها فلما وجدت التقاويم المبنية على الحساب الفلكي خرجت لنا بوسيلة تؤدي إلى المقصد الشرعي ذاته وجاءت موافقة للوسيلة الأولى المعتمدة على الشروق والغروب والشفق والغسق والظل. ثم إن هذه الوسيلة الجديدة المعتمدة على الحساب رفعت عن الناس الحرج في تحري أوقات الصلاة حتى أصبح المؤذن يذهب إلى المسجد معتمدا على ساعة فلكية غير ملتفت إلى شفق وشروق وغروب وغسق وظل.
ولا خلاف بين أهل العلم أن الوسيلة الأخرى المعتمدة على الساعة الفلكية أدت إلى المقصد الشرعي في طريقة أشمل من الوسيلة الأولى من غير مشقة ورفعت الحرج عن الأمة في تحري مواقيت الصلاة.
والسؤال الذي نطرحه, هل الحساب الفلكي وسيلة تؤدي إلى ذات المقصد في طريقة أوفى من الرؤية البصرية من غير خلل واضطراب؟. إن كان الأمر كذلك قلنا إن الحساب الفلكي وسيلة تؤدي إلى المقصد الشرعي الذي تؤدي إليه الرؤية البصرية في طريقة أوفى من الرؤية البصرية والأولى استخدامه عند تيسره.
وقبل الخوض في هذه المسألة أوكد أنه لاخلاف بين علماء الفلك في أن الحساب الفلكي في غاية الضبط وأن الاقتران يحسب بدقة عالية تصل إلى جزء من الثانية وذلك يعتمد على عدد العوامل المأخوذة في برنامج الحساب. وقد تعرض لهذه المسألة وغيرها الدكتور الفاضل محمد بن بخيت المالكي (3) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=5996#11).
وكما أسلفنا من قبل أن القائلين بالحساب الفلكي قد انقسموا إلى اقسام كثيرة نوجزها ههنا.
الفريق الأول يرى أنه متى كانت ولادة الهلال في أي وقت من بعد الفجر إلى قبل الفجر الذي يليه فإنه يجب على المسلمين صيام اليوم الذي يلي الفجر الثاني وحجتهم أن الهلال موجود في السماء بعد ولادته لأن العلم اليقيني الثابت يثبت وجوده والعبرة بالوجود الفلكي لا الرؤية الخاطئة وهذا ماتسير عليه الجماهيرية الليبية.
الفريق الثاني أراد أن يوفق بين الرؤية والحساب فاشترط أن تكون ولادة الهلال قبل الغروب ولو بوقت قصير جدا فمتى كان ذلك وجب على الناس عقد نية الصيام وحجتهم أن اليوم الإسلامي يبدأ بعد غروب الشمس.
الفريق الثالث أراد أن يكون أكثر توفيقا بين الرؤية البصرية والحساب الفلكي فاشترط إمكان الرؤية لثبوت دخول الشهر وهذا يعني أن الهلال لابد أن يكون مولودا قبل الغروب بوقت اختلف فيه الفلكيون حتى تتمكن العين أو التلسكوب من رؤيته. ومن أجل بيان هذا الاختلاف نوجز بعضا من شروطهم وطرقهم:
¥