تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

- عندما اختلفوا على وقت الولادة ومدة بقاء الهلال بعد الغروب وارتفاعه حتى تتمكن العين من رؤيته, جعلوا الحساب الفلكي اليقيني ظنيا ثم جمعوا بينه وبين الرؤية البصرية الظنية. ومما هو معروف أن جمع الظني مع الظني يزيد الظنية (على فرض ولادة الهلال). وحتى لا تلتبس هذه القضية على الفقهاء فإن جمع الظني مع الظني هنا ليس كجمع النصوص الشرعية الظنية التي يعضد بعضها بعضا لكي تكون أقرب إلى اليقين منها إلى الظن.

- ثم لو أنهم اتفقوا على وقت الولادة وغيرها حتى تتمكن العين من رؤيته لما زادوا عن جمع يقيني وظني وهذا يدل على أن وسيلة الحساب الفلكي غير كافية للوصول إلى المقصد الشرعي وحدها ولابد لها من التعويل على وسيلة الرؤية البصرية. والذي لايختلف عليه أيضا أن اليقيني مستغن عن الظني وأي محاولة للجمع بينهما تجعل الرؤية ظنية بنفس مقدار ظنينتها التي كانت عليها (على فرض ولادة الهلال).

- وهناك مطاعن أخرى أعظم خطرا مما بسطناه هنا أتركها إلى حين الحاجة إلى عرضها ذلك أنها تبين اضطراب حجج جميع القائلين بالحساب.

ويتبين لنا أن احتجاج الفريق الثالث لا يمكن الأخذ به لاضطرابه واختلاف الفلكيين حوله ولا يمكن أن تجتمع الأمة على مضطرب كما أنه لا يجوز لوسيلة يقينية أن تعول على وسيلة ظنية ولذلك أصبح الحساب قاصرا عن تحقيق المقصد الشرعي وحده فاحتاج إلى إمكان الرؤية فأصبح وسيلة يلغيها المنطق السليم.

وأعود الآن إلى الفريق الثاني والذي يرى أنه متى حصلت ولادة الهلال قبل المغرب ولو بوقت قليل فإنه تجب مباشرة الصوم بعد الفجر, ومع أن هذا الفريق أصاب من ناحية أنه لم يقع في الاضطراب الذي وقع فيه الفريق الثالث كما أن القائلين بهذا القول غير مختلفين حوله ذلك أنهم لم يشترطوا الرؤية بالعين أو غيرها وشرطهم الوحيد أن تكون ولادة الهلال قبل المغرب فقط أما وجه خطائهم فهو اصطدامهم بنصوص شرعية منها قوله تعالى "فمن شهد منكم الشهر فليصمه" ومنها قوله –صلى الله عليه وسلم- "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته" وقوله "لا تصوموا حتى تروا الهلال ولا تفطروا حتى تروه" وقوله "إذا رأيتم الهلال فصوموا، وإذا رأيتموه فأفطروا، فإن غُمَّ عليكم فصوموا ثلاثين يومًا". فإن قالو إن الرؤية ثبتت لدينا يقينا من خلال ولادة الهلال حسابيا قبل الغروب (وهذا قولهم) ونعتبرها بمثابة الرؤية البصرية قلنا إن الرؤية قد تثبت يقينا بالحساب بعد المغرب والعبرة بثبوت الولادة الفلكية عندكم والتي اعتبرتموها وسيلة بدلا من الرؤية البصرية.

ونقول لهم أيضا إن الحساب الفلكي في غاية الضبط والبعد عن الخلل فلا يجوز أن نستخدمه وهو في غاية ضبطه وبعده عن الخلل عندما يوافق ما ندعوا إليه ونطرحه عندما يخالف ذلك. ولا نختلف معكم وقد جعلتم من ضمن أهدافكم (وهو هدف نبيل) أن نصوم رمضان ولا نفرط في شئ منه وادعيتم أن الحساب الفلكي قطعي الثبوت ويمكن حساب الاقتران بنسبة خطأ لا تتجاوز 1 - 100000 من الثانية. ومن أجل ذلك أردتم أن نتعبد الله سبحانه وتعالى بالثانية والدقيقة فلماذا لا تعتبرون ولادة الهلال متى حصلت بالليل بعد الغروب والعبرة عندكم بالولادة الفلكية؟. إن هذا اضطراب لا يمكن قبوله ممن ينادي بالحساب الفلكي لدقته و ضبطه ويضيع يوما من رمضان وربما صام يوما آخر من شوال يقينا عامدا متعمدا غير ملتفت إلى الدقة والضبط الذي يطالب الآخرين به.

أما الفريق الأول فكان أكثر ضبطا من الفريق الثاني من ناحية وأكثر اضطرابا من ناحية أخرى ذلك أنه يوجب الصوم حتى لو ولد الهلال بعد المغرب. ولئن كان هذا الفريق أقل تفريطا في شهر رمضان من غيره إلا أنه وقع في اصطدام أيضا مع الدليل "صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته". ومما لا شك فيه أن هذا الفريق والفريق الثاني أول الرؤية في النصوص من رؤية بالعين إلى رؤية بالحساب او العلم. ثم لو قلنا بصحة هذا التأويل فإن الحديث يأمر بالصيام بعد مباشرة الرؤية وناط الصيام بها فلو حصلت الرؤية العلمية (الحسابية) في الليل وجب على الناس الصيام بعد فجر تلك الليلة ولو حصلت الرؤية العلمية (الحسابية) في النهار وجب على الناس الإمساك عن الصيام حينئذ وإلا لفرط الناس بجزء من رمضان عمدا لأن الحساب يقيني.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير