تَجِدْنَا غَافِلِينَ
"ومن هذا البيان النبوي يُعلم أن تحديد وقت الصلاة ينبني على المشاهدة، لا على الحساب الفلكي، ولا على التقاويم التي لا يُدرى حال واضعيها ومنزلتهم في الأمانة والعلم، لا سيما مع ثبوت مخالفتها للوقت الصحيح. وهذا الخطأ ليس في السعودية و مصر وحدها، بل قد تبين أن معظم التقاويم الموجودة لم تضبط الفجر على وقته الصحيح، وإنما ضبطته على الفجر الكاذب، وفي هذا تعريض لصلاة المسلمين للبطلان، لا سيما من يصلي في بيته بعد سماع الأذان مباشرة. وقد قام جماعة من العلماء والباحثين في المملكة العربية السعودية والشام ومصر والسودان بتحري وقت الفجر الصادق، وتبين لهم خطأ التقاويم الموجودة اليوم.
الفجر عند العلماء
قال ابن عباس - رضي الله عنهما - (هما فجران، فأما الذي يسطع في السماء فليس يحل ولا يحرم شيئا، ولكن الفجر الذي يستبين على رؤوس الجبال هو الذي يحرم الشراب) أخرجه ابن جرير الطبري في جامع البيان (2/ 173).
قال الموفق ابن قدامة: وجملته أن وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعا، وقد دلت عليه أخبار المواقيت، وهو البياض المستطير المنتشر في الأفق، ويسمى الفجر الصادق، لأنه صدقك عن الصبح وبينه لك، والصبح ما جمع بياضا وحمرة، ومنه سمي الرجل الذي في لونه بياض وحمرة أصبح، وأما الفجر الأول، فهو البياض المستدق صعدا من غير اعتراض، فلا يتعلق به حكم، ويسمى الفجر الكاذب. المغني (2/ 30)
قال ابن حزم (والفجر الأول هو المستطيل المستدق صاعدا في الفلك كذنب السرحان، وتحدث بعده ظلمة في الأفق، لا يحرم الأكل ولا الشرب على الصائم، ولا يدخل به وقت صلاة الصبح، وهذا لا خلاف فيه من أحد من الأمة كلها. والآخر هو البياض الذي يأخذ في عرض السماء في أفق المشرق في موضع طلوع الشمس في كل زمان، ينتقل بانتقالها، وهو مقدمة ضوئها، ويزداد بياضه، ربما كان فيه توريد بحمرة بديعة، وبتبينه يدخل وقت الصوم ووقت الأذان لصلاة الصبح ووقت صلاتها. فأما دخول وقت الصلاة بتبينه فلا خلاف فيه من أحد من الأمة) المحلى (3/ 192)
قال ابن جرير الطبري ((صفة ذلك البياض ان يكون منتشرا مستفيضا في السماء يملأ بياضه وضوؤه الطرق)) اه.
قال صديق حسن خان (وأول وقت الفجر إذا انشق الفجر: أى ظهور الضوء المنتشر، وبينه صلى الله عليه وسلم أشفى بيان، فقال لهم)) انه يطلع معترضا في الأفق)) و ((أنه ليس الذي يلوح بياضه كذنب السرحان)) وهذا شئ تدركه الأبصار، وقال تعالى: {حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر} فجاء بلفظ التفعل لإفادة أنه لا يكفي إلا التبين الواضح، أى يتبين لكم شيئا فشيئا حتى يتضح لأنه لا يتم تبيينه وظهوره الا بعد كمال ظهوره، فإنه يطلع أولا كتباشير الضوء ثم ذنب السرحان وهوالفجر الكاذب ثم يتضح نور الصباح الذي أبداه بقدرته فالق الإصباح، ولذلك قال الشاعر: وأزرق الصبح يبدو قبل أبيضه وأول الغيث قطر ثم ينسكب). اه الروضة الندية (1/ 71)
قال الشيخ محمد بن صالح العثميين (()) الشرح فإذا كنت في بر وليس حولك أنوار تمنع الرؤية ولاقتر، فإذا رأيت البياض ممتدا من الشمال إلى الجنوب فقد طلع الفجر ودخل وقت الصلاة، أما قبل أن يتبين فلا تصل الفجر الممتع.
آراء العلماء في توقيت التقاويم والأذان الثاني قبل صلاة الفجر
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في جواب له على سؤال من أكل بعد أذان الصبح في رمضان (الحمد لله. أما اذا كان المؤذن يؤذن قبل طلوع الفجر، كما كان بلال يؤذن قبل طلوع الفجر على عهد النبى صلى الله عليه وسلم، وكما يؤذن المؤذنون في دمشق وغيرها قبل طلوع الفجر، فلا بأس بالأكل والشرب بعد ذلك بزمن يسير) الفتاوى (25/ 216).
قال ابن حجر (من البدع المنكرة ما أحدث هذا الزمان من إيقاع الأذان الثاني قبل الفجر بنحو ثلث ساعة في رمضان، وإطفاء المصابيح التي جعلت علامة لتحريم الأكل والشرب على من يريد الصيام زعما ممن أحدثه أنه للاحتياط في العبادة ولا يعلم بذلك الا آحاد الناس) فتح الباري (4/ 199)
¥