وتدبر الكلام: أن ينظر في أوله وآخره، ثم يعيد نظره مرة بعد مرة. والتذكر والتفكر له فائدة غير فائدة الآخر فالتذكر يفيد تكرار القلب على ما علمه وعرفه؛ ليرسخ فيه ويثبت ولا ينمحي فيذهب أثره من القلب جملة، والتفكر يفيد تكثير العلم واستجلاب ما ليس حاصلا عند القلب فالتفكر يحصله والتذكر يحفظه.
ولهذا قال الحسن رحمه الله: ما زال أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر وبالتفكر على التذكر، ويناطقون القلوب حتى نطقت بالحكمة. فالتفكر والتذكر بذار العلم وسقيه مطارحته ومذاكرته تلقيحه، كما قال بعض السلف ملاقاة الرجال تلقيح لألبابها فالمذاكرة بها لقاح العقل.
فالخير والسعادة في خزانة مفتاحها التفكر فإنه لا بد من تفكر وعلم يكون نتيجته الفكر وحال يحدث للقلب من ذلك العلم،
فإن كل من علم شيئا من المحبوب أو المكروه لا بد أن يبقى لقلبه حالة وينصبغ بصبغة من علمه وتلك الحال توجب له إرادة وتلك الإرادة توجب وقوع العمل.
فها هنا خمسة أمور الفكر وثمرته العلم وثمرتهما الحالة التي تحدث للقلب وثمرة ذلك الإرادة وثمرتها العلم.
فالفكر إذاً هو المبدأ والمفتاح للخيرات كلها، وهذا يكشف لك عن فضل التفكر وشرفه وأنه من أفضل أعمال القلب وأنفعها له.
حتى قيل تفكر ساعة خير من عبادة سنة
فالفكر هو الذي ينقل من موت الفطنة إلى حياة اليقظة، ومن المكاره إلى المحاب، ومن الرغبة والحرص إلى الزهد والقناعة، ومن سجن الدنيا إلى فضاء الآخرة، ومن ضيق الجهل إلى سعة العلم ورحبه، ومن مرض الشهوة والإخلاد إلى هذه الدار إلى شفاء الإنابة إلى الله والتجافي عن دار الغرور، ومن مصيبة العمى والصمم والبكم إلى نعمة البصر والسمع والفهم عن الله والعقل عنه، ومن أمراض الشبهات إلى برد اليقين وثلج الصدور.
وبالجملة فأصل كل طاعة إنما هي الفكر، وكذلك أصل كل معصية إنما يحدث من جانب الفكرة.
فإن الشيطان يصادف أرض القلب خالية فارغة، فيبذر فيها حب الأفكار الردية، فيتولد منه الإرادات والعزوم، فيتولد منها العمل.
وأما إذا صادف أرض القلب مشغولة ببذر الأفكار النافعة فيما خلق له، وفيما أمر به، وفيما هيء له وأعد له من النعيم المقيم أو العذاب الأليم لم يجد لبذره موضعا، وهذا كما قيل:
أتاني هواها قبل أن أعرف الهوى ... فصادف قلبا فارغا فتمكنا [/ COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]
ـ[الضبيطي]ــــــــ[26 - 08 - 09, 02:14 ص]ـ
الحمد لله رب العالمين
أخي وأختي رعاكما الله، وأحل عليكما رضاه، وجنبكما سخطه وغضبه.
إذا تأملت ما دعا الله سبحانه في كتابه عباده إلى الفكر فيه
أوقعك على العلم به سبحانه وتعالى، وبوحدانيته وصفات كماله، ونعوت جلاله من عموم قدرته وعلمه وكمال حكمته ورحمته وإحسانه وبره ولطفه وعدله ورضاه وغضبه وثوابه وعقابه.
فبهذا تَعرّف إلى عباده، وندبهم إلى التفكر في آياته، ونذكر لذلك أمثلة مما ذكرها الله سبحانه في كتابه يُستدل بها على غيرها.
فمن ذلك خلق الإنسان وقد ندب سبحانه إلى التفكر فيه والنظر في غير موضع من كتابه
كقوله تعالى: " فلينظر الإنسان مم خلق "، وقوله تعالى: " وفي أنفسكم أفلا تبصرون "، وقوله تعالى: " يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم نخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ".
وقال تعالى: " أيحسب الإنسان أن يترك سدى ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيى الموتى ".
وقال تعالى: " ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون ".
وقال تعالى: " أو لم ير الإنسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين ".
وقال تعالى: " ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاما فكسونا العظام لحما ثم أنشأناه خلقا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ".
وهذا كثير في القرآن يدعو العبد إلى النظر والفكر في مبدأ خلقه ووسطه وآخره
¥