تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وجعلها سلاحا لغيره من الحيوان والطير، وآلة لمعاشه، ولِيَحُكَّ الإنسان بها بدنه عند الحاجة.

فالظِّفر الذي هو أقل الأشياء، وأحقرها لو عَدِمه الإنسان، ثم ظهرت به حكة لاشتدت حاجته إليه، ولم يقم مقامه شيء في حَكِّ بدنه، ثم هَدى اليَدَ إلى موضع الحك حتى تمتد إليه، ولو في النوم والغفلة من غير حاجة إلى طلب، ولو استعان بغيره لم يعثر على موضع الحك إلا بعد تعب ومشقة! ثم انظر إلى الحكمة البالغة في جعل عظام أسفل البدن غليظة قوية؛ لأنها أساس له، وعظام أعاليه دونها في الثخانة والصلابة؛ لأنها محمولة!

ثم انظر كيف جعل الرقبة مَرْكَباً للرأس! وركبها من سبع خَرَزات مجوفات مستديرات، ثم طبق بعضها على بعض، وركب كل خرزة تركيبا محكما متقنا حتى صارت كأنها خرزة واحدة، ثم ركب الرقبة على الظهر والصدر!

ثم ركب الظهر من أعلاه إلى منتهى عَظْمِ العَجُز من أربع وعشرين خرزة مركبة بعضها في بعض!

هي مجمع أضلاعه والتي تمسكها أن تنحل وتنفصل، ثم وصل تلك العظام بعضها ببعض، فوصل عظام الظهر بعظام الصدر، وعظام الكتفين بعظام العضدين، والعضدين بالذراعين، والذراعين بالكف والأصابع!

وانظر كيف كسا العظام العريضة كعظام الظهر والرأس كسوة من اللحم تناسبها!

وكسا العظام الدقيقة كسوة تناسبها كالأصابع، والمتوسطة كذلك كعظام الذراعين والعضدين.

فالإنسان مركب على ثلاثمائة وستين عظما. مئتان وثمانية وأربعون مفاصل، وباقيها صغار حشيت خلال المفاصل، فلو زادت عظما واحدا لكان مضرة على الإنسان!

يحتاج إلى قلعه، ولو نقصت عظما واحدا كان نقصانا يحتاج إلى جبره! فالطبيب ينظر في هذه العظام، وكيفية تركيبها؛ ليعرف وجه العلاج في جبرها، والعارف ينظر فيها؛ ليستدل بها على عظمة باريها وخالقها، وحكمته، وعلمه، ولطفه. وكم بين النظرين!

ثم انه سبحانه ربط تلك الأعضاء ... .

سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم!

لنا عودة مع ابن القيم والتفكر في خلق الإنسان إن شاء الله. [/ COLOR][/SIZE][/FONT][/CENTER]

ـ[الضبيطي]ــــــــ[04 - 09 - 09, 02:22 ص]ـ

ثم إنه سبحانه ربط تلك الأعضاء والأجزاء بالرباطات فشد بها أسرها، وجعلها كالأوتاد تمسكها وتحفظها!

حتى بلغ عددها إلى خمس مئة وتسعة وعشرين رباطا!

وهي مختلفة في الغلظ والدقة، والطول والقصر، والاستقامة والانحناء. بحسب اختلاف مواضعها ومحالها!

فجعل منها أربعة وعشرين رباطا آلة لتحريك العين، وفتحها، وضمها وإبصارها لو نقضت منهن رباطا واحدا اختل أمر العين!

وهكذا لكل عضو من الأعضاء رباطات هن له كالآلات التي بها يتحرك، ويتصرف، ويفعل!

كل ذلك صنع الرب الحكيم، وتقدير العزيز العليم في قطرة ماء مهين. فويل للمكذبين وبعدا للجاحدين!

ومن عجائب خلقه أنه جعل في الرأس ثلاث خزائن نافذا بعضها إلى بعض: خزانة في مقدمه، وخزانة في وسطه، وخزانة في آخره!

وأودع تلك الخزائن من أسراره ما أودعها من الذكر والفكر والتعقل!

ومن عجائب خلقه ما فيه من الأمور الباطنة التي لا تشاهد كالقلب، والكبد، والطحال، والرئة، والأمعاء، والمثانة، وسائر ما في بطنه من الآلات العجيبة، والقوى المتعددة المختلفة المنافع!

فأما القلب، فهو الملك المستعمل لجميع آلات البدن، والمستخدم لها! فهو محفوف بها محشود مخدوم مستقر في الوسط، وهو أشرف أعضاء البدن، وبه قوام الحياة، وهو منبع الروح الحيواني، والحرارة الغريزية!

وهو معدن العقل، والعلم، والحلم، والشجاعة، والكرم، والصبر، والاحتمال، والحب، والإرادة، والرضا والغضب، وسائر صفات الكمال!

فجميع الأعضاء الظاهرة والباطنة، وقواها إنما هي جند من أجناد القلب!

فإن العين طليعته ورائده الذي يكشف له المرئيات، فإن رأت شيئا أدته إليه!

ولشدة الارتباط الذي بينها وبينه، إذا استقر فيه شيء ظهر فيها، فهي مرآته المترجمة للناظر ما فيه!

كما أن اللسان ترجمانه المؤدي للسمع ما فيه، ولهذا كثيرا ما يقرن سبحانه في كتابه بين هذه الثلاث كقوله تعالى: " إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا ".

وقوله تعالى: " وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة ".

وقوله تعالى: " صم بكم عمي ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير