تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الجواب: ذكر العلماء حكم السعي بين الصفا والمروة، واشتهر في المذهب الحنبلي أنه ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، فمن لم يسع مع القدرة لم يتم حجه ولم تتم عمرته، وجاءت رواية أخرى أنه واجب من واجبات الحج، بحيث يجبر بدم إذا تركه، وقد ذكر الله تعالى السعي باسم الطواف بقوله تعالى: ((إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا)) البقرة: 158، والتطوف في الأصل الاستدارة على الشيء الذي يطوف به، فإن الطواف بالبيت الدوران حوله، وهكذا الذين يطوفون بالقبور يستديرون حول الضريح، وذلك عبادة لهم من دون الله، ولكن الطواف بالبيت والطواف بالصفا والمروة عبادة لله تعالى، فليس تعظيمًا للبيت الذي هو من حجارة وطين، وليس تعظيمًا للصفا والمروة وهما جبلان واقعان هناك، ولكن في الأصل يراد طاعة الله تعالى وامتثال أمره، وذكره وكثرة الدعاء والقراءة في هذا الطواف، كما ثبت في الحديث عن عائشة رضي الله عنها مرفوعًا: (إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله) رواه أحمد وأبو داود.

وإذا كان القصد من السعي ذكر الله تعالى، فإنه يجوز السعي بين الجبلين أو ما يقاربهما وما يحاذيهما؛ لحصول المقصود الذي هو ذكر الله تعالى ودعاؤه وقراءة القرآن، والخضوع والخشوع للرب سبحانه وتعالى، وإتباع سنة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، حيث قال: "اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي" رواه الإمام أحمد.

ولو كان المراد السير فيما سار فيه النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لفرض على الناس في حجهم وعمرتهم ألا يتخطوا أثر مسيره، بل يكونون كهيئة الطابور يسيرون في موضع سيره وعلى أثره، وقد وسع - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الأمر في هذه المشاعر، كقوله في عرفة: "وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف، ووقفت هاهنا وجمع كلها موقف – يعني مزدلفة - ونحرت هاهنا ومنى كلها منحر، وفجاج مكة طريق ومنحر" رواه الإمام أحمد وغيره.

وإذا حصل المقصود الذي هو إحياء السنة، وإتباع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - حصل المقصود من شرعية هذه المناسك، وحيث إن الصفا في الأصل جبل مرتفع قليلاً عن مستوى الأرض، وكذلك المروة، فإن السعي بينهما يحصل به الامتثال.

وقد أدركت أصل الصفا في سنة تسع وستين من القرن الماضي، ورأيته ممتدًا عن حده الذي كان عليه، وإن كنت لا أستطيع تحديد طوله، إلا أنه بلا شك أوسع مما كان عليه لما حدد موضع المسعى، وكانت المروة محددة ولكن يظهر أن الجبل ممتد أيضًا، حيث يوجد عليه بنايات ومساكن أرفع من مستوى الأرض، مما يدل على أنها كانت على طرف المروة من جهة الشرق، وكان يقع في شرق المسعى مساكن ملاصقة للمسعى بها سكان وبها متاجر وفي طرفيه شرقًا وغربًا.

وقد شكل الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله لجنة لتحديد مكان السعي، ليحصر المكان الذي يكفي من يسعى للحج أو للعمرة، وهدموا بعض البيوت الملاصقة للمسعى في جانبيه، واقتصروا على تحديده الذي كان عليه طوال هذه السنين، ويظهر أنهم قطعوا جبل الصفا من جهة الشرق وكذلك أيضًا المروة، وجعلوا هذا المسعى واعتقدوا أنه يكفي لمن يحج أو يعتمر، ولم يكونوا يفكرون في هذا التضخم الكبير في هذه الأزمنة.

ثم إن الملك عبدالعزيز رحمه الله عمل له مظلة لا أدري من الشينكو أو من البواري، إلا أنها مظلة كافية انتهى طرفها الشمالي إلى حد ما بين العلمين، وكتب عليها أن الآمر بها هو جلالة الملك عبدالعزيز، وحدد تاريخ وضعها كأنه بعد ضم الحجاز للمملكة بسنتين أو ثلاث سنوات، وكان أيضًا في وسط المسعى قرب العلمين طريق للسيارات تأتي من الشرق وتتوجه غربًا، وتجيء من الغرب متجهة للشرق، لم يكن هناك طريق إلا هذا الممر، بحيث إنه يوقفون الذين يسعون حتى تمر السيارة.

وحيث إن العمل إنما هو لأجل العبادة المذكورة، وحيث عرف امتداد الجبلين وشهد بذلك كثيرون من الذين شاهدوا ذلك قبل ستين أو سبعين سنة، وعرفوا امتداد هذين الجبلين، وأثبتت شهادتهم عند القضاة، وصدر بذلك تصديق لهم وتعديل لهم، فالذي يظهر أنه لا مانع من توسعة المسعى من جانبيه أو من أحد جانبيه، ليتسع لعدد أكثر، فالتوسعة والسعي بينهما في مستوى الأرض أولى من السعي في السطوح والهواء، حيث إن السطح لا يصدق عليه أنه سعى بينهما، بل يقال: سعى في هوائهما، وقد نقل عن الشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، والذي توفي في عام 93 من القرن الماضي أنه منع السعي في السطوح وفي الدور الثاني من المسعى ونحوه، ورأى أن الذي يسعى في السطح ونحوه لا يصدق عليه أنه سعى بين الصفا والمروة، وعلى كل حال فهذا الذي يظهر لنا، ولكل مجتهد نصيب. والله أعلم.

قاله وأملاه

عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين

10/ 3/1429هـ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير