تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ألف في الذمم، ما استلمت، هل رأس المال الألف أو المليون؟ على قولين: فالأكثر على أن رأس المال الألف وما زاد على ذلك يجب أن يتخلص منه، {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ} [(279) سورة البقرة] والآية محتملة {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} التي دخلتم بها التجارة، {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} وقت التوبة، والتوبة تجب ما قبلها، والقول الثاني: راجحٌ من حيث النظر؛ لأن فيه الحث على التوبة، والإعانة على التوبة، وإن كان القول غير قول الجمهور، وهو المعتمد والمفتى به؛ لكن الثاني له وجهٌ من النظر؛ لأنه يحث على التوبة، ويعين عليها، فإذا كان الإنسان عنده من الأموال مليون ريال، و عند الناس له من جراء الربا مائة ألف لا يجوز لا أن يستوفي منه شيئاً؛ لكن المليون هو رأس ماله الآن وقت التوبة، والفوائد التي لم يقبضها ليست له، هذا على القول الثاني، ويرجح من حيث النظر بأنه فيه إعانة على التوبة، والكافر إذا أسلم لا يؤمر بقضاء ما فاته من العبادات ترغيباً له في الإسلام، فإذا أسلم مَن عمره سبعون سنة فقيل له: عليك أن تقضي صلوات خمسة وخمسين سنة، وصيام خمسة وخمسين سنة، احتمال أن يقول أيش؟ هذه مشقة عليه، فلا يتشجع للدخول في الإسلام، ومثل هذا الذي دخل التجارة بألف، ثم زاول التجارة بهذه المهنة الخبيثة المتفق على خبثها، ثم قيل له بعد عشر سنوات: مالك إلا هذا الألف، وما عدا ذلك لا يجوز لك أن تأخذه، احتمال أن يقول: ننتظر ما نتوب الآن، ويسوف حتى يبغته الأجل؛ لكن إذا أعين على التوبة بأن يقال له: لك رأس مالك الآن والتوبة تهدم ما كان قبلها، والآية محتملة، صار ذلك سبباً في استقامة حاله، وانشراح صدره للتوبة، وأسلوب يستعمله شيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- يقول: "ومن المحال في العقل والدين" ثم يورد ما يرده -رحمه الله تعالى-. ولقائلٍ يقول: ومن المحال في العقل والدين أن يحث الله -جل وعلا- على التوبة، ويحب التوابين، ويفرح بتوبة العبد، ويصد من أراد التوبة عنها؛ لأنه وجد من دخل التجارة بعشرين ريال، وتاب عن مائتي مليار، لا شك أن المسألة حظ النفس قد يسد، من يقوى على مثل هذا، من يستطيع مثل هذا، على كل حال المسألة قابلة للنظر، والقول المعتمد عند أهل العلم هو الأول، وهو قول الجمهور، وأنه ليس له من ماله إلا ما دخل به التجارة، وما زاد على ذلك ليس له؛ لكن هذه عرض للقول الآخر، وله عندي حظٌ من النظر.

أثابكم الله، وهذا سؤال من أحد الإخوة الحضور: يسأل عن حدود الوسطية ومفهومها، يقول: لأن من الناس من يذم التمييع والتساهل، ويهرب طالباً الوسطية، وإذا هو يسقط مع الجانب الآخر، وهو جانب التنطع والغلو التشدد، ومنهم بالعكس من يهم التنطع والغلو، ويهرب طالباً الوسطية، ثم يسقط مع الجانب التسهيل والتيسير، كما يذكر، فما حدود الوسطية ومفهومها؟

الوسطية هي سمة هذا الدين، وهي سمة أهل السنة والجماعة، فالدين وسط بين الأديان، وأهل السنة والجماعة وسط بين المذاهب، وشيخ الإسلام -رحمه الله تعالى- أبدع في تقرير مذهب أهل السنة والجماعة في الواسطية، حينما شرح طرفي النقيض في كل مسألة من مسائل الاعتقاد، ثم قال: وأهل السنة وسط في ذلك في باب كذا بين كذا وكذا، وأهل السنة وسط في ذلك في باب كذا بين كذا وكذا ... إلى آخره.

فالوسط هو أن تتقي الله -جل وعلا-، وتسأله الإعانة والتوفيق والتسديد، وأن تعمل الواجبات وتترك المحرمات، إذا أمرت بشيء فبادر إلى العمل به، وإذا نهيت عن شيء فبادر إلى الانتهاء عنه ((إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه)) والدين يسر ((ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه)) ((يسرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا)) فالمقصود أن دين الله وسط بين الغالي والجافي، لا شك أن التكاليف تكاليف، وهي إلزامٌ فيه كلفة على النفس، الواجبات فيها كلفة على النفس، ترك المحرمات ورغبات النفوس فيها كلفة على النفس، لا يعني أن الدين وسط وأنه يسر أن نتفلت من الواجبات، ونرتكب المحرمات، والدين يسر، لا يا أخي، الله -جل وعلا- الذي قال: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [(156) سورة الأعراف] هو شديد العقاب أيضاً، فأنت مأمورٌ منهي، فعليك أن تأتمر بقدر طوقك واستطاعتك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير