(والثالث) إن كان منفردا فالفردة أفضل وإن كان إماما فالثلاث الموصولة وفي مصنف ابن أبي شيبة عن الحسن وهو البصري أجمع المسلمون على أن الوتر ثلاث لا يسلم إلا في آخرهن وهذا لا يصح عن الحسن وراويه عنه عمرو بن عبيد المبتدع الضال ولا يحفظ عن أحد من التابعين حكاية الإجماع في مسألة من المسائل؛ سمعت والدي رحمه الله يقول ذلك.
(العاشرة) استدل بقوله {توتر له ما قد صلى} على أن الوتر لا يصح حتى تتقدمه نافلة فلو صلى العشاء ثم أوتر بركعة قبل أن يتنفل لم يصح وتره وبهذا قال بعض أصحابنا وفي المدونة ولا يوتر بواحدة لا شفع قبلها في سفر أو حضر لكن الأصح عند أصحابنا وبه قال ابن نافع من المالكية وهو المشهور عندهم صحة الوتر في هذه الصورة ولا يتعين أن يوتر بها نفلا فقد يوتر بها فرضا وهو العشاء وفي سنن أبي داود وغيره من حديث أبي أيوب {ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل} وروى البيهقي في سننه أن سعد بن أبي وقاص صلى العشاء ثم صلى بعدها ركعة.
وإن أبا موسى الأشعري كان بين مكة والمدينة فصلى العشاء ركعتين ثم قام فصلى ركعة أوتر بها.
وعن ابن عباس أنه لما فرغ من العشاء قال لرجل ألا أعلمك الوتر؟ فقال بلى فقام فركع ركعة.
وعن معاوية أنه صلى العشاء ثم أوتر بركعة فذكر ذلك لابن عباس فقال أصاب
(الحادية عشرة) استدل بقوله {فليوتر بواحدة} على وجوب الوتر للأمر به ولا حجة فيه لأن هذا الأمر لم يرد ابتداء وإنما ورد بعد سؤال فلا يكون للوجوب وقد أمر قبله بصلاة الليل والحنفية لا يقولون بوجوبها
(الثانية عشرة) قوله {فإذا خشي أحدكم الصبح} دليل على خروج وقت الوتر بطلوع الفجر وهو مذهب الشافعية والحنفية والجمهور إلا أن المالكية قالوا إنما يخرج بطلوع الفجر وقته الاختياري ويبقى وقته الضروري إلى صلاة الصبح هذا هو المشهور عندهم وقال أبو مصعب كالجمهور ينتهي وقته بطلوع الفجر وليس له وقت ضرورة وحكى ابن المنذر عن جماعة من السلف أن وقته يمتد إلى صلاة الصبح قال روينا عن ابن مسعود أنه قال الوتر ما بين الصلاتين وروى الوتر بعد طلوع الفجر.
عن ابن عباس وابن عمر وعبادة بن الصامت وأبي الدرداء وحذيفة وعائشة قال وقال مالك والشافعي وأحمد يوتر ما لم يصل الصبح ورخص الثوري والأوزاعي في الوتر بعد طلوع الفجر وقال النخعي والحسن والشعبي إذا صلى الغداة فلا يوتر وقال أيوب السختياني وحميد الطويل إن أكثر وترنا لبعد طلوع الفجر قلت ما حكاه عن مالك صحيح عنه لكنه يرى ما بعد الفجر وقبل صلاة الصبح وقت ضرورة لها كما تقدم وكذا مذهب أحمد فإنه سئل ألا يوتر الرجل بعد ما يطلع الفجر؟ فقال نعم وقال ابن قدامة لا ينبغي لأحد أن يتعمد ترك الوتر حتى يصبح لقوله عليه الصلاة والسلام {فإذا خشي أحدكم الصبح فليصل ركعة توتر له ما قد صلى} متفق عليه ولحديث أبي هريرة مرفوعا {من نام عن الوتر أو نسيه فليصله إذا أصبح أو ذكر} رواه ابن ماجه انتهى.
وما حكاه عن الشافعي ليس قوله في الجديد وبه الفتوى وإنما هو قوله في القديم وحكى أبو العباس القرطبي أن مذهب الشافعي كمذهب مالك في أن وقت ضرورته من طلوع الفجر إلى صلاة الصبح وليس كذلك وقال ابن عبد البر بعد ذكره امتداده إلى صلاة الصبح وهو الصواب عندي لأني لا أعلم لهؤلاء الصحابة مخالفا من الصحابة فدل إجماعهم على أن معنى الحديث في مراعاة طلوع الفجر أريد به ما لم يصل صلاة الفجر ويحتمل أيضا أن يكون ذلك لمن قصده واعتمده وأما من نام عنه حتى انفجر الصبح وأمكنه أن يصليه مع الصبح قبل طلوع الشمس فليس ممن أريد بذلك الخطاب انتهى.
ثم قال ابن المنذر وفيه قول ثالث وهو أن يصلي الوتر وإن صلى الصبح هذا قول طاوس وكان النعمان يقول عليه قضاء الوتر وإن صلى الفجر إذا لم يكن أوتر وفيه قول رابع وهو أن يصلي الوتر وإن طلعت الشمس روي هذا القول عن عطاء وطاوس ومجاهد والحسن والشعبي وحماد بن أبي سليمان وبه قال الأوزاعي وأبو ثور وقال سعيد بن جبير من فاته الوتر يوتر بواحدة من النافلة وهذا قول خامس انتهى.
وهذه الأقوال الثلاثة الأخيرة الظاهر أنها إنما هي في صلاة الوتر قضاء وما أراد قائلوها استمرار وقتها إلى ذلك الحد أداء وفي عبارة بعضهم التصريح بذلك ومن لم يصرح به منهم فعبارته محمولة على ذلك والله أعلم قال أبو العباس القرطبي.
¥