الأمر السادس: إن الداعي لذكر هذه المسألة (وهي التفريق بين النظر إلى عورة الأجنبية في الحقيقة والخيال) عند الفقهاء أن بعضهم يرى أن الرجل إذا رأى عورة مغلظة لأجنبية عنه فإنها تحرم عليه فلا يحل له نكاحها، لذلك تشددوا في النظر المُحرِّم وقيدوه بأن يكون حقيقة لا خيالاً، لأن الأصل في مصاهرتها الإباحة، فلا يخرج عنه إلا بأمر جلي واضح.
قال ابن عابدين رحمه الله في رد المحتار 26/ 407: (لم أر ما لو نظر إلى الأجنبية من المرآة أو الماء، وقد صرحوا في حرمة المصاهرة بأنها لا تثبت برؤية فرج من مرآة أو ماء، لأن المرئي مثاله لا عينه، بخلاف ما لو نظر من زجاج أو ماء هي فيه لأن البصر ينفذ في الزجاج والماء، فيرى ما فيه، ومفاد هذا أنه لا يحرم نظر الأجنبية من المرآة أو الماء، إلا أن يفرق بأن حُرمة المصاهرة بالنظر ونحوه شدد في شروطها، لأن الأصل فيها الحل، بخلاف النظر لأنه إنما منع منه خشية الفتنة والشهوة، وذلك موجود هنا، ورأيت في فتاوى ابن حجر من الشافعية ذكر فيه خلافا بينهم ورجح الحرمة بنحو ما قلناه والله أعلم).
الوقفة السابعة:
قد يقول قائل: إن الشريعة منعت النظر إلى الأجنبية لعِلَّة ومقصد وهو الافتتان بها فتثور الشهوة فإذا أمّنّا هذا الجانب باشتراط عدم الشهوة حصل المقصود وانتفى المانع!
فأقول: إن استعمال فقه المقاصد بهذه الطريقة دون ضوابطِ مُراعاة الأدلة أمر خطير، لأنه يؤدي إلى إلغاء الأدلة وتقييد المطلق وإطلاق المقيد! قد تقول كيف؟
فأقول: نستطيع بهذه الطريقة أن نغير الأحكام فمثلاً نستطيع أن نقول:
إن الشرع حرّم الربا لعلة ومقصد وهو منع الظلم بأخذ مال الغير دون وجه حق، وعلى هذا فإنه يجوز لرجل أن يُقرض رجلاً بشرط أنه إذا انخفضت قيمة العملة وقت حلول الدين فإنه يدفع له مبلغاً قدره 0.5% (نصف بالمئة) من الدين، حتى يعوض الدائن جزءاً من النقص!!
وبما أن تعويض (نصف بالمئة) وإن كان ربا إلا أنه ليس فيه ظلم للمدين فتجوز هذه المعاملة، حيث أن مبلغ التعوض قليل جداً مقابل الخدمة الجليلة التي قدمها المُقرض للمقترض، بحيث لو أن الدين = 10.000 ريال فإن التعويض سيكون = 50 ريالاً فقط،وهذا مبلغ يسير جداً بالنسبة للدين فلا يكون ظلماً مع نزول قيمة العملة وتضرر المقرض؟؟!! فهنا انتفى الظلم لذا فإنه يجوز أخذ هذه القيمة!! وقد قال بهذا القول أحد المعاصرين!!
وهذا مخالفة صريحة للأدلة والإجماع لأنه (ربا فضل ونسيئة)،كل هذا بحجة مقاصد التشريع!!
مثالٌ آخر (للطرفة) كنتُ قد قرأته في أحد كتب الرافضة، يقول ما معناه:
إن الله تعالى يقول چ ? ???? پ پ پ پ ????????????ٹٹٹٹ ? ? ? ? ?????????
ذكر الله تحريم الخمر وذكر السبب في تحريمه حيث أنه يوقع العداوة والبغضاء لأن السكران قد يقتل أو يفسد دون أن يشعر فتحدث العداوة والبغضاء بين المؤمنين، وأنه يصد عن الذكر فيتكاسل عن العبادات ويضيع وقتاً كثيراً في السكر فلا يذكر الله إلا قليلاً، وأنه يضيع الصلاة فقد لا يصليها لسكره أو يؤخرها حتى يصحو، لهذا حرم شرب الخمر، لكن!
إن استطعنا أن نتجنب هذه المساوئ فإنه يجوز لنا شربه لأن الحكم يدور مع علته!! وذلك بأن يجلس الإنسان في بيته في غرفة آمنة ويجعل عنده شخصاً أميناً يراقبه ويمنعه من فعل أي خطأ وذلك بعد أن يصلي العشاء الآخر ويشرب خمراً لا يزيد سُكره عن ساعة أو ساعتين!!!
ففي هذه الحالة نكون قد تجنبنا جميع المفاسد التي حُرِّم من أجلها شرب الخمر فلا أحدثنا بغضاء وعداوة ولا صددنا عن ذكر الله ولا تركنا صلاة واستمتعنا أيضاً والحمد لله!!!!
وفي ختام هذه الوقفة أقول:
إن فقه المقاصد لا يلغي صريح الأدلة أو يقيده أو يطلقه بعلل وحكم مستنبطة!! فالحذر الحذر من هذا المزلق الذي قد يتساهل به دون تعمق في فهمه وضوابطه!!
الوقفة الثامنة:
أحب أن أنبه إلى مسألة قد تختلط على البعض حين يراجع بعض كتب الفقه: وهي أن بعض الفقهاء قال بجواز النظر إلى (وجه الأجنبية وكفيها) بشرط عدم الشهوة، أما إن كان بشهوة فيحرم.
¥