تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالمسلمون اليوم قد تفرقوا في هذه الصلاة على جماعات كثيرة خلافا للسنة كما سبق فإذا أردنا جمعهم على جماعة واحدة فلا سبيل لنا إليها إلا بالخروج إلى أرض فسيحة تتسع لجميع المصلين نساءا ورجالا يتخذون لهم مصلى يؤدون فيه هذه العبادة العظيمة (صلاة العيد) وذلك ما أمرت به السنة فكيف يقال بعد ذلك: إن تطبيق السنة تفريقا للجماعة؟

[44]

نعم. إن مما لا ريب فيه أن إحياء هذه السنة يقتضي إيجاد جماعة جديدة تدع تلك الجماعات الأخرى المتفرقة في المساجد الكثيرة ولكن لما كان غاية هذه الجماعة الجديدة جمع تلك الجماعات في جماعة واحدة كما كان الأمر عليه في عهده صلى الله عليه وسلم وعهد الخلفاء الراشدين كان لا بد من وجود هذه الجماعة لأن الجماعة الواحدة لا تقوم طفرة ولا تقوم إلا بهم

ومن المتقرر في الأصول: أن ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب

فهذا يؤكد الاعتراف بضرورة وجود هذه الجماعة لأنها على السنة وغايتها تحقيق الجماعة بأوسع معانيها بخلاف تلك الجماعات الأخرى

وقد يقول قائل: قد يستجيب لهذه الجماعة كثير من المخلصين بعد أن تبينت لهم السنة ولكن من المفروض أنه سيبقى ناس كثيرون مصرين على التفرق في المساجد خلافا للسنة ولجميع المذاهب وبهذا لا تحقق الجماعة الواحدة المنشودة

[45]

أقول: الحق أن هذا قد يحدث ولكن من الواضح حينئذ أن المسؤولية لا تقع على الذين أحيوا هذه السنة ودعوا الناس إليها وإنما على الذين أصروا على مخالفتها فالإنكار إنما ينصب عليهم

وأما الطائفة الأولى فجماعتهم هي المشروعة لأنها على السنة التي كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قال صلى الله عليه وسلم في صفة الفرقة الناجية:

وهي الجماعة

وفي رواية: " هي ما أنا عليه وأصحابي " (1)

فلا يضرهم حينئذ مخالفة من خالفهم وان كانوا أكثر منهم سوادا لقوله صلى الله عليه وسلم:

لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك

(2)


(1) قلت: وإسنادها حسن لغيره رواه الترمذي وحسنه عن ابن عمرو والطبراني وغيره عن أنس وهو مخرج مع الرواية الأولى - وهي صحيحة - في " سلسة الأحاديث الصحيحة " رقم (204)
(2) حديث صحيح متواتر مخرج في المصدر المذكور وانظر " مختصر صحيح مسلم " رقم (1095) و " صحيح الجامع الصغير " رقم (7166)
[46]

فالمؤمن لا يستوحش من قلة السالكين على طريق الهدى ولا يضره كثرة المخالفين
قال الإمام الشاطبي في " الاعتصام " 01/ 11 - 12):
وهذه سنة الله في الخلق: أن أهل الحق في جنب أهل الباطل قليل لقوله تعالى:
(وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين). سورة يوسف الآية 103
وقوله: (وقليل من عبادي الشكور) سورة سبأ الآية 13، ولينجز الله ما وعد به نبيه صلى الله عليه وسلم من عود وصف الغربة إليه (1) فإن الغربة لا تكون إلا مع فقد الأهل أو قلتهم وذلك حين يصير المعروف منكرا والمنكر معروفا وتصير السنة بدعة والبدعة سنة فيقام على

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير