من السنة إذا دخل أحدكم المسجد والإمام راكع أن يركع مكانه ثم يمشي راكعاً إلى الصف
ـ[أبو معاوية البيروتي]ــــــــ[21 - 09 - 09, 10:33 م]ـ
من السنة إذا دخل أحدكم المسجد والإمام راكع أن يركع مكانه ثم يمشي راكعاً إلى الصف
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وأصحابه أجمعين، ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد، فقد دار نقاش بيني وبين أحد الإخوة اليوم بعد صلاة الظهر في مسجد الجامعة الإسلامية في المدينة النبوية، حول مسألة إذا دخل المرء إلى المسجد، ووجد الإمام راكعاً، فيكبّر مكانه ثم يمشي راكعاً إلى الصف، ويعتدّ بالركعة. وكان الأخ قد رآني أفعلها في صلاة الظهر وأنكر عليّ، فسردتُ له الأدلة على سنّيّة هذا الفعل، ثم قررت جمع الأدلة المتعلّقة بالمسألة ووضعها بين يديّ الإخوة لنحيي سنة مهجورة ولتعمّ الفائدة.
أدلة المسألة:
1 – عن عطاء، أنه سمع ابن الزبير رضي الله عنهما على المنبر يقول:
(إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوعٌ، فليركع حين يدخل ثم يدبّ راكعاً حتى يدخل في الصف، فإن ذلك السنة).
رواه ابن خزيمة (1571) والطبراني في المعجم الأوسط والحاكم في المستدرك (1/ 214) وقال: صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
2 – عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف، أنه رأى زيد بن ثابت رضي الله عنه دخل المسجد والإمام راكع، فمشى حتى أمكنه أن يصل الصف وهو راكع، كبَّرَ فركع، ثم دبَّ وهو راكع حتى وصل الصف.
رواه البيهقي (2/ 90 و 3/ 106)، وسنده صحيح.
3 – عن زيد بن وهب قال: خرجتُ مع عبد الله (أي ابن مسعود) رضي الله عنه من داره إلى المسجد، فلمّا توسّطنا المسجد، ركع الإمام، فكبّر عبد الله وركع وركعتُ معه، ثم مشينا راكعَين حتى انتهينا إلى الصف حين رفع القومُ رؤوسَهم، فلمّا قضى الإمامُ الصلاة، قُمتُ وأنا أرى أنّي لم أُدرِك، فأخذ عبد الله بيدي وأجلسني، ثم قال: إنك أدركتَ.
رواه ابن أبي شيبة في مصنفه وعبد الرزاق في مصنفه (2/ 283) والطبراني في المعحم الكبير وغيرهم بسندٍ صحيح.
4 – عن عثمان بن الأسود قال: دخلتُ أنا وعبد الله بن تميم المسجد، فركع الإمام، فركعتُ أنا وهو ومشينا راكعَين حتى دخلنا الصف، فلمّا قضينا الصلاة، قال لي عمرو: الذي صنعته آنفاً ممّن سمعته؟ قلتُ: من مجاهد، قال: قد رأيتُ ابن الزبير يفعله.
رواه ابن أبي شيبة في المصنف، وسنده صحيح.
فهؤلاء بعض كبار الصحابة قد عمِلوا بهذه السنة.
وقد اعتُرِض على المسألة بالحديث التالي:
• عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه:
أنه جاء ورسولُ الله صلى الله عليه وسلّم راكعٌ، فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، فلمّا قضى النبيُّ صلى الله عليه وسلّم صلاته قال: " أيُّكُم الذي ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف؟ " فقال أبو بكرة: أنا. فقال النبي صلى الله عليه وسلّم:
" زادك اللهُ حِرصاً ولا تَعُد ".
رواه أحمد وأبو داود وغيرهما، وسنده صحيح على شرط مسلم، وأصله في صحيح البخاري.
قوله صلى الله عليه وسلّم: " لا تَعُدْ " يحتمل النهي عن أحد ثلاثة أمور:
أ – اعتداده بالركعة التي إنما أدرك منها ركوعها فقط.
ب – إسراعه في المشي،
كما في رواية لأحمد (5/ 42) من طريق آخر: (فسمع النبي صلى الله عليه وسلّم صوت نعل أبي بكرة وهو يحضر (أي: يعدو) يريد أن يدرك الركعة، فلمّا انصرف النبي صلى الله عليه وسلّم قال: " من الساعي؟ " قال أبو بكرة: أنا. فقال صلى الله عليه وسلّم: " زادك الله حرصاً ولا تَعُدْ ".
وفي رواية الطحاوي في " مشكل الآثار ": (جئتُ ورسول الله صلى الله عليه وسلّم راكعٌ، وقد حفزني النفس (قال أبو معاوية البيروتي: في " لسان العرب / مادة حفز " أي تقارب النفس في الصدر)، فركعتُ دون الصف ... ).
ج – ركوعه دون الصف، ثم مشيه إليه. اهـ.
والاحتمال الثالث بعيد:
1 - لأن ابن الزبير حثَّ على هذا الفعل في خطبته أمام محضرٍ من الصحابة في المسجد الحرام أثناء إمارته على مكة، وذكر أنه (من السنة)، ولم يُنقَل أنه عارضه أحد.
2 - لأن كبار الصحابة عملوا بها، كابن مسعود وزيد بن ثابت وابن الزبير رضي الله عنهم.
3 - لأنه صَحَّ عن أبي بكرة رضي الله عنه - راوي حديث " لا تَعُدْ " – أنه كان يفعل هذه السنّة مراراً بعد موت النبي صلى الله عليه وسلّم.
فقد روى علي بن حجر في " حديثه " (1/ 17 / 1) بإسناده عن القاسم بن ربيعة:
عن أبي بكرة – رجل كانت له صحبة – أنه كان يخرج من بيته فيجدُ الناسَ قد ركعوا، فيركع معهم، ثم يدرج راكعاً حتى يدخل في الصف، ثم يعتدّ بها. اهـ.
قال الإمام الألباني رحمه الله في السلسلة الصحيحة (1/ 927):
هذا إسنادٌ صحيح، رجاله كلهم ثقات، وفيه حجّة قوية أن المقصود بالنهي إنما هو الإسراع في المشي، لأن راوي الحديث أدرى بمرويِّهِ من غيره، لا سيّما إذا كان هو المُخَاطَب بالنهي. اهـ.
ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى سلسلة الإمام الألباني الصحيحة (229 و 230)، وقد نقلتُ جُلَّ المادة منها.
وسبحانك اللّهم وبحمدك، أشهد أنْ لا إله إلاّ أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
¥