تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

4 - أن التعليل بأن الرسول-صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين أمُّوا ولم يؤذنوا ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية:"وأما إمامته-صلى الله عليه وسلم- وإمامة الخلفاء الراشدين، فكانت متعيّنة عليهم فإنها وظيفة الإمام الأعظم ولم يكن يمكن الجمع بينها وبين الأذان، فصارت الإمامة في حقّهم أفضل من الأذان، لخصوص أحوالهم، وإن كان لأكثر الناس الأذان أفضل"17.

أما الشيخ ابن عثيمين-رحمه الله- يقول: "والأذان من أفضل الأعمال، وهو أفضل من الإمامة، يعني أن مرتبة المؤذن في الأجر أفضل من مرتبة الإمام؛ لأن المؤذن يعلن لتعظيم الله وتوحيد الله، والشهادة للرسول بالرسالة، وكذلك أيضاً يدعو الناس إلى الصلاة والفلاح في اليوم والليلة خمس مرات أو أكثر، والإمام لا يحصل منه ذلك، والمؤذن لا يسمع صوته شجر ولا حجر ولا مدر إلا شهد له يوم القيامة؛ ولهذا كان الأذان مرتبته في الشرع أعلى من مرتبة الإمامة" (18)

التفضيل بين الأذان والإقامة:

اختلف الفقهاء في التفضيل بين الأذان والإقامة، كما اختلفوا في التفضيل بين الأذان والإمامة, وهذا ليسَ غريباً على الفقهاء؛ لأنَّ مثل هذه الأمورَ التي لم يرد فيها نصٌّ واضحٌ أن تختلف الأقوال كل بما يفهمه من النصوص الواردة في فضله، فمن البديهي أن يختلفوا في هذه المسألة مع أنها من جنس الأذان، وألفاظها متقاربة، وإنما كان الأذان إعلاماً للصلاة للتهيؤ لها، والإقامة للدخول والإحرام بها.

فالمسألة اختلف الفقهاء فيها على قولين:

القول الأول: أن الإقامة أفضل من الأذان. وهذا قول الحنفية، وبعض المالكية، باعتبار أنها آكد من الأذان؛ ولأنه يسقط في مواضع دون الإقامة كما في حق المسافر، وما بعد أولى الفوائت وثانية الصلاتين بعرفة، و لاتصالها بالصلاة، وبطلان الصلاة على القول بتركها عمداً (19)

القول الثاني: أن الأذان أفضل من الإقامة. وهذا القول قال به بعض المالكية، والمصرّح به عند الحنابلة، باعتبار أنه شعار الإسلام، ويجب في المصر، وهو أكثر ألفاظاً وأبلغ في الإعلام (20).

وفي آخر هذا المبحث الصغير "يتبين أن القول القائل بأن الأذان أفضل من الإقامة هو الراحج وذلك لوجاهة ما استدلّوا به" (21).

وختاماً: فإن مثل هذا الإختلاف هو من الرحمة بالمسلمين، وإنَّ ترك ورود النص الصريح في مثل هذه الأشياء (أي التفضيل بين الأذان والإقامة وغيرها) كان له حكمة بالغة وهي ترك المجال لأهل العلم لكي ينظروا في مدلولات وأبعاد هذه النصوص، فكل يفهم فهمه، فتختلف الآراء، فيذهب كل منهم إلى ما رآه واقتنعت به نفسه، فلم يكن ذلك يغير لهم وداً ولا صحبة, بل كانوا إخوة متحابين يأخذ كل منهم العلم عن الآخر, وإن كان مخالفاً له في بعض المسائل الاجتهادية، فهذه رحمة من الله-سبحانه وتعالى-،ثم إن من الحكمة أن البشر بطبيعتهم الاختلاف لاختلاف قدراتهم في الفهم ولاستنباط.

وفق الله الجميع لما فيه الخير والصواب. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ...

والحمد لله رب العالمين


1 - راجع كتاب الأم (1/ 159)، وكتاب المغني (2/ 54).

2 - راجع: كتاب المجموع (3/ 84 - 85).

3 - رواه أبو داود- (527). والترمذي (207).وصححه الألباني في صحيح الجامع حديث رقم (2787).

4 - نهاية المحتاج (1/ 310).

5 - راجع المجموع (3/ 86).

6 - راجع كتاب المغني (2/ 54).

7 - مغني المحتاج (1/ 138 - 139).

8 - صحيح مسلم (1/ 242) (387). كتاب الصلاة، باب فضل الأذان.

9 - راجع: أحكام الأذان والإقامة ص (58).

10 - انظر: فتح القدير (1/ 255)، مغني المحتاج (1/ 138 - 139).

11 - البخاري (628)، ومسلم (674).

12 - انظر: المغني (2/ 54).

13 - انظر: سبل السلام (2/ 417).

14 - راجع: فتح القدير (1/ 255).

15 - راجع: كتاب نهاية المحتاج. (1/ 310).

16 - راجع: كتاب الشرح الممتع على زاد المستقنع لابن عثيمين (2/ 37).

17 - راجع: الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ص40

18 - راجع: شرح رياض الصالحين (3/ 141).

19 - راجع: حاشية رد المحتار لابن عابدين (1/ 388). وكتاب مواهب الجليل للحطاب (1/ 461).نقلاً عن كتاب"أحكام الأذان والإقامة"ص (62).

20 - مواهب الجليل للحطاب (1/ 461).

21 - راجع: كتاب أحكام الأذان والإقامة" ص (62).

(منقول من موقع امام المسجد)

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير