وكان وفاة الحسن رضي الله عنه مسموما سمته زوجته جعدة بإشارة يزيد بن معاوية سنة تسع وأربعين أو سنة خمسين أو بعدها وكانت مدة خلافته ستة أشهر وشيئا وعلى قول نحو ثمانية أشهر رضي الله تعالى عنه وعن جميع أهل البيت
(فرجع): من الترجيع أي قال [ص: 149] إنا لله وإنا إليه راجعون (فقال له فلان): وفي بعض النسخ وقع رجل مكان فلان، والمراد بفلان هو معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنه، والمؤلف لم يصرح باسمه وهذا دأبه في مثل ذلك.
وقد أخرج أحمد في مسنده من طريق حيوة بن شريح حدثنا بقية حدثنا بحير بن سعد عن خالد بن معدان قال وفد المقدام بن معد يكرب وفيه فقال له معاوية أيراها مصيبة الحديث (أتعدها): وفي بعض النسخ أتراها أي أنعد يا أيها المقدام حادثة موت الحسن رضي الله تعالى عنه مصيبة والعجب كل العجب من معاوية فإنه ما عرف قدر أهل البيت حتى قال ما قال، فإن موت الحسن بن علي رضي الله عنه من أعظم المصائب وجزى الله المقدام ورضي عنه فإنه ما سكت عن تكلم الحق حتى أظهره، وهكذا شأن المؤمن الكامل المخلص (فقال): أي المقدام (له): أي لذلك الفلان وهو معاوية رضي الله عنه (وقد وضعه): أي الحسن رضي الله عنه والواو للحال (فقال هذا): أي الحسن (مني وحسين من علي): أي الحسن يشبهني والحسين يشبه عليا، وكان الغالب على الحسن الحلم والأناة كالنبي صلى الله عليه وسلم وعلى الحسين الشدة كعلي. قاله في شرح الجامع الصغير.
(فقال الأسدي): أي طلبا لرضاء معاوية وتقربا إليه (جمرة): قال في المصباح جمرة النار القطعة المتلهبة.
وفي القاموس النار المتقدة (أطفأها الله) أي أخمد الله تعالى تلك الجمرة وأماتها فلم يبق منها شيء ومعنى قوله والعياذ بالله إن حياة الحسن رضي الله عنه كانت فتنة فلما توفاه الله تعالى سكنت الفتنة، فاستعار من الجمرة بحياة الحسن ومن إطفائها بموته رضي الله عنه، وإنما قال الأسدي ذلك القول الشديد السخيف لأن معاوية رضي الله عنه كان يخاف على نفسه من زوال الخلافة عنه وخروج الحسن رضي الله عنه عليه وكذا خروج الحسين رضي الله عنه، ولذا خطب مرة فقال مخاطبا لابنه يزيد وإني لست أخاف عليك أن ينازعنك في هذا الأمر إلا أربعة نفر من قريش الحسين بن علي وعبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير وعبد الرحمن بن أبي بكر، فقال الأسدي ذلك القول ليرضي به معاوية ويفرح به
(قال): خالد بن الوليد (فقال المقدام): مخاطبا لمعاوية (أما أنا): فلا أقول قولا [ص: 150] باطلا الذي يسخط به الرب كما قال الأسدي طلبا للدنيا وتقربا إليك ومريدا لرضاك بل أقول كلاما صحيحا وقولا حقا (فلا أبرح): أي فلا أزال (اليوم حتى أغيظك): من باب التفعيل أي أغضبك وأسخطك (وأسمعك): من باب الإفعال (ما تكره): من القول فإني لا أبالي بسخطك وغضبك وإني جريء على إظهار الحق فأقول عندك ما هو الحق وإن كنت تكره وتغضب علي (ثم قال): المقدام (يا معاوية): اسمع مني ما أقول (إن أنا صدقت): في كلامي (فصدقني) فيه وهو أمر من التفعيل (وإن أنا كذبت): في كلامي (فكذبني): فيه (قال): معاوية (أفعل): كذلك (فأنشدك بالله): أي أسألك به وأذكرك إياه (فوالله لقد رأيت هذا): المذكور من لبس الذهب والحرير ولبس جلود السباع والركوب عليها (كله): بالنصب تأكيد (في بيتك يا معاوية): فإن أبناءك ومن تقدر عليه لا يحترزون عن استعمالها وأنت لا تنكر عليهم وتطعن في الحسن بن علي (أني لن أنجو منك): لأن كلامك حق صحيح (فأمر له): أي للمقدام من العطاء والإنعام (بما لم يأمر لصاحبيه): وهما عمرو بن الأسود والرجل الأسدي (وفرض لابنه): أي لابن المقدام (في المائتين): أي قدر هذا المقدار من بيت المال رزقا له.
وفي بعض النسخ في المئين فكان المائتين (ففرقها) من التفريق أي قسم العطية التي أعطاها معاوية على أصحابه وأعطاهم.
والحديث يدل على النهي عن لبس الذهب والحرير، وقد تقدم أن النهي خاص بالرجال، وعلى النهي عن لبس جلود السباع والركوب عليها، وهذا هو المقصود من إيراد الحديث.
وأخرج أيضا أحمد في مسنده من طريق بقية عن المقدام بن معد يكرب قال نهى [ص: 151] رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الحرير والذهب وعن مياثر النمور (لشيئه): هكذا في أكثر النسخ، أي حسن الإمساك لماله ومتاعه.
قال في المصباح: الشيء في اللغة عبارة عن كل موجود إما حسا كالأجسام أو حكما كالأقوال نحو قلت شيئا وجمع الشيء أشياء.
وفي بعض نسخ الكتاب حسن الإمساك كسبه فالكسب مفعول للإمساك.
قال في المجمع: من أطيب كسبكم أي من أطيب ما وجد بتوسط سعيكم.
قال المنذري: وأخرجه النسائي مختصرا وفي إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال انتهى.
قلت: وفي إسناد مسند أحمد صرح بقية بن الوليد بالتحديث.
¥