تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

العناية بزوجها في مستشفى قصر العيني ومواساة أمها.

ـ[محمد الأمين فضيل]ــــــــ[18 - 03 - 03, 10:57 ص]ـ

السنوات الأخيرة للشيخ الوالد (2)

جمال البنا

كان لا بد للحياة ان تسير، فتلك سنة الله التي لا تجد لها تبديلا، فاستأنف الشيخ عمله، وفي النفس ما فيها، ولعل الآن اصبح سلوته الوحيدة التي يدفن فيها آلامه. وينسى بها احزانه، فواصل اسلوب حياته وعمله.

وكان الشيخ قد استقر بسلاملك، مستقل في حوش المنزل رقم 9 بحارة الرسام وهي حارة ضيقة في احشاء القاهرة «الغورية» وعلى ناصيتها مسجد الفكهاني، وكان البيت كالبيوت القديمة رحبا واسعا وكان له حوش او فناء متسع، وفي مواجهته سلاملك مستقل يرتفع بضع درجات عن مستوى ارض الحوش، وهذا هو الذي اتخذه الشيخ مكتبا ومخزنا للنسخ المطبوعة من «الفتح» ولم يكن حسن الاضاءة او جيد التهوية، ولكن هذه امور لم تكن لتشغل الشيخ.

ومن الصباح الباكر حتى منتصف الليل تقريبا كان الشيخ يأوي الى مكتبه، فيجلس القرفصاء ـ كالكاتب المصري القديم ـ على مقعد عريض ـ هو مربع خشبي، ليس له مسند او ذراعان، طرحت عليه حشية (شلته) وكانت امامه مكتبة وهي «تزجة» صغيرة احتفظ بها من ايام تصليح الساعات وجعلها مكتبا وهي «تزجة» لا بد ان تثير الخجل في نفوس الذين يحرصون على المكاتب الفخمة ذات المحابر والوراقات الخ .. وينفقون عليها مئات الجنيهات، فعلى هذه «التزجة» المتواضعة كتبت اعظم موسوعة اسلامية تضم الحديث والفقه.

وكانت الكتب تحيط بالشيخ من كل جانب وكان فيها الكثير من مطبوعات الهند، التي كانت من اوائل القرن العشرين قد نشرت العديد من امهات كتب الحديث بفضل عناية حاكم ولاية حيدر اباد الدكن وكذلك ملك بهوبال، وهما من ابرز ملوك الامارات الاسلامية في الهند وقتئد.

وكانت مكتبة الشيخ عامرة بالمجلدات والمراجع عن الحديث والتفسير والفقه وبقية العلوم الاسلامية وقد وجدت بين اوراقه ورقة كتب عليها بخطه هذين البيتين: ألا يا مستعير الكتب عني فإن اعارتي للكتب عار فمحبوبي من الدنيا كتاب وهل ابصرت محبوبا يعار؟

وظل الشيخ من عام 38 الى عام 49 يضيء مكتبه بمصباح بترولي، ولكن هذا المصباح كان «نجفة» والى حد ما تحفة. فقد كان «لمبة» كبيرة مستديرة لها زجاجتها الطويلة وكانت اللمبة وسط قاعدة نحاسية مستديرة تربطها سلاسل منقوشة بثقل مستدير كان يسمح بأن يرفع اللمبة الى أعلى او يخفضها الى اسفل، وعلى ضوء هذا المصباح، ظل الشيخ عشر سنوات يعمل في الفتح، على انه كان اسعد حظا من ابن كثير الذي ظل يعمل في المسند «والسراج ينونص» حتى كف بصره، فان الشيخ رحمه الله ادخل الكهرباء في المكتب عام 1949.

ولم يكن الشيخ ليبرح مربضه هذا الا لأداء الصلاة في جامع الفكهاني على ناصية الحارة او في مكتبه اذا احس بتعب، وكان بالمكتب اريكة «كنبة» صغيرة يتمدد عليها في بعض الحالات وقت القيلولة، وكان يؤتى له بطعامه من شقته الخاصة بالمنزل في الدور الثاني، فاذا انتصف الليل او كاد اغلق الشيخ مكتبه، وآوى الى مضجعه في الدور الاعلى وبهذه الطريقة خلص الشيخ من صعوبة «المواصلات» وما تستنفده من جهد ومال ووقت.

ـ[محمد الأمين فضيل]ــــــــ[18 - 03 - 03, 10:58 ص]ـ

السنوات الأخيرة للشيخ الوالد (3)

جمال البنا

كانت الحالة المالية للشيخ الوالد مستقرة، لأنه اخذ نفسه بالاقتصاد، وكان شعاره هو الحديث النبوي «ما عال من اقتصد» وقد ابتعد عن كل صور التوسع او المشروعات التي تجمد ماله القليل او تبعده عن متناول يده، او تشغل فكره به، وكان يؤمن بالكتابة ويقيد كل معاملاته المالية ويقول ان الله تعالى عوده ان لا يخذله، وان ييسر له ثمن ورق كل جزء من اجزاء الفتح. وكان ذلك مع مصاريف الطبع، هي المشغلة المالية للشيخ، اما الاكل واللبس وتكلفة الحياة اليومية، فلم تكن تمثل شيئا مذكورا. وقد كان مما يثير عجبنا ان يوجد لدى الشيخ دائما مبلغ من المال الحاضر في أي وقت، وكنا نلتجئ اليه عندما تمس بنا حاجة فنقترض منه وعندما توفي الى رحمة الله، كان دفتره يضم صفحة لكل ابن من ابنائه بها حسابه، وكانت كلها مدينة له. وكان قد ادخر قبل ان يموت بفترة قرابة مائتي جنيه في صندوق البريد (بدون فوائد طبعا) وقد توكأ علي ذات يوم ليصرفها من مكتب بريد الازهر، ليعطيها للشقيق عبد الباسط عندما ألمت به ازمة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير