ـ[أيمن بن خالد]ــــــــ[13 - 10 - 09, 08:17 ص]ـ
بارك الله فيك ورفع قدرك .. [
وفيكم بارك، وعذراً على الأخطاء الإملائية في ردي السابق فقد كتبته على عجالة ولم أنتبه للأخطاء إلا الآن.
ما عَن هذا سألتُ، فقد قرأتُ ما افتتح به موضوعَه. بل قصدتُ بالمصدر الكتابَ الذي خرَّج هذه القصّة، فالألوسي مِن علماء العصور الحديثة. فأردتُ الإشارة إلى أن هذا المرجع المتأخر الذي اعتمد عليه الأخ الكريم لا يُعتبر مصدراً للرواية.
لا بأس، وإن كنت أقول أنّ الشيخ عزا القول لمن نقله فكفى بذلك من أمانة. وليس كل من نقل من كتب التفسير أو التاريخ معني بتخريج الأثار فيه. والشيخ حفظه الله نقل ما وجد فيه فائدة دون التطرق هل الدعاء منسوب لعيسى عليه السلام أو غيره.
.. وهل أصبح السؤالُ عن الإسناد تنطعاً أكرمك الله!
إعلم، علّمك الله، أنّ وجه التنطع ليس في السؤال عن الإسناد، بل هو في السؤال عن الإسناد في هذا المقام في مسألة، لا تحمل في ثناياها حكماً أو عقيدة أو ما يخالف شرعنا. فتأمل.
لقد أردتُ بسؤالي هذا الإشارة إلى أن دَعوى الإسرائيليات مع فساد السند لا تنهض، كما ستعرف إن شاء الله.
لا يسلم لك في ذلك، كما سأوضح لك إن شاء الله.
نعم أكرمك الله، وأخرجه ابن عساكر في تاريخه، والأثر موضوع. قال ابن عساكر (47/ 391):
أخبرنا أبو القاسم عليّ بن إبراهيم: أنبأنا أبو الحسن المقرئ: أنبأنا أبو محمد المصريّ: أنبأنا أحمد بن مروان: حدثنا عبد الله بن مسلم بن قتيبة: حدثنا عبد الرحمن بن أخي الأصمعي، عن عبد المنعم، عن أبيه، عن وهب بن منبه.
فآفة هذا الأثر مِن عبد المنعم وهو ابن إدريس بن سنان مِن ولد وهب بن منبه، وهو كذاب وضاع:
- قال الإمام أحمد: ((عبد المنعم بن إدريس يكذب على وهب بن منبه)).
- وقال علي بن المديني: ((عبد المنعم الذي روى عن وهب بن منبه ليس بثقة، أخذ كتباً فرواها)).
- وقال يحيى بن سعيد: ((الكذاب الخبيث)).
- وقال البخاري: ((ذاهب الحديث)).
- وقال أبو زرعة: ((واهي الحديث، وُلد بعد موت أبيه وحدّث عن أبيه)).
- وقال النسائي: ((ليس بثقة)).
[تاريخ بغداد 11/ 132 - 133]
- وقال ابن حبان: ((يضع الحديث على أبيه وعلى غيره)).
[لسان الميزان 4/ 73]
لقد سألتُ عن سند هذا الأثر طلباً للتفتيش والتدقيق .. فما التنطّع في هذا؟! الأثر موضوع ومكذوب على وهب، فهلاّ تحرّيتَ الأمرَ رعاك الله؟
سأتبع منهجكم في المسألة في تحقيق نسبة الدعاء لعيسى، وسأفترض ما يلي:
هل يصح أن ينسب الدعاء لعيسى عليه السلام إن أتى بسند صحيح مثل الشمس إلى وهب بن منبه؟
إن كان جوابك نعم، خالفناك ثم نقول:
لا نأمن أن يكون نقله عن كاذب أو ما الذي يثبت لنا أنه من الإسرائيليات أصلاً. بل كيف ننسب إلى عيسى عليه السلام وبين ابن وهب بن منبه وبين النبي عيسى آلاف السنين مما تنقطع به الأعناق والرقاب؟
وإن كان جوابك لا، خالفناك ثم نقول:
كيف تطالب بسند تحقق لدينا فيه وجود الكاذب الذي لا تحل الرواية عنه لكفرهم، وهم اليهود، أكثر الناس وضعاً على أنبيائهم ومن خالفهم. لكنّ الرسول، بالرغم من ذلك، جوز الرواية عنهم بضابط معلوم وهو أن لا يكون ما عندهم مخالفٌ لشرعنا أو أن يكون في ما نقلوه ما يستقبح. لذا نقول أتجوز النقل عن كافر لا تحل الرواية عنه أصلاً وترد رواية المسلم لكذبه أو لفسقه أو ضعفه؟ لذا قال الإمام مالك:"الْمُرَاد جَوَاز التَّحَدُّث عَنْهُمْ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْر حَسَن، أَمَّا مَا عُلِمَ كَذِبه فَلَا" وكلام الإمام مالك هنا في ما يخص المتن لا السند كما هو واضح. ولذلك نقل الحافظ القول التالي:" وَقِيلَ: الْمُرَاد جَوَاز التَّحَدُّث عَنْهُمْ بِأَيِّ صُورَة وَقَعَتْ مِنْ اِنْقِطَاع أَوْ بَلَاغ لِتَعَذُّرِ الِاتِّصَال فِي التَّحَدُّث عَنْهُمْ، بِخِلَافِ الْأَحْكَام الْإِسْلَامِيَّة فَإِنَّ الْأَصْل فِي التَّحَدُّث بِهَا الِاتِّصَال " فأنظظر كيف فرق أهل العلم في طلب السند في ما خص أحكام الشريعة وبين ما يروى عنهم. فتأمل.
إذا علمت ذلك، علمت أنّ طلب الإسناد في هذا المقام لا ينبغي لما سبق، وأنّ طلب الإسناد يكون إن كان في ما نقل عنهم في ما يخالف الشرع فقط. ويتضح لك جواز نسبة القول كما هو لأن الدعاء، دعاء توحيد فلا يبعد أن ينطقه نبي الله عيسى.
الاجتهاد في الدعاء شيء، ونِسبته إلى أحد الأنبياء زُوراً شيء آخر.
أنظر ما سبق، رحمكم الله.
أعتقد أنّ السند الذي ذكرتُه آنفاً يردّ على قولك هذا الذي رميتنا فيه بالخلط. إلاّ إذا كنتَ لا ترى بهذا السند بأساً!
ما زلت أقول أن الخلط عندك واقع في مسألة: متى يطلب السند، ولو أعملنا منهجك الذي تقول به لنسفت لك كل التاريخ الإسلامي والسيرة النبوية، بل جلّ الروايات المروية عن أهل الفقه، وهذا ما لا يصح فعله كما هو معلوم!
فالتحقق والتثبت في الرواية مطلوب لا لنفسه بل لمقصد شرعي، فمتى غاب المقصد لم يعد للوسيلة ضرورة، لذا تساهل العلماء في ما كان من روايات إخبارية أو ما كان في الرقاق عن الزهاد والعباد.
أرجو أن يتسع صدرك لتعقيبي أعزّك الله وبارك فيك
حفظكم الله، إن العين لتسعد بقراءة كلامك، لذا أرجو أن يتسع صدركم لتعقيبي على تعقيبكم.
والله أعلم وأحكم
¥