وبملاحظة مواد " تحليل الشخصية " المطروحة: يمكننا القول أن منها ما يتبع القرائن الظاهرة، كنماذج تحليل الشخصية العلمية التي عادة تشمل ملاحظة الإنسان لنفسه، أو لآخرين في مواقف متنوعة، وفق معايير متعارف عليها، فمثلا الانطوائي الطبع يشعر بالخجل في التجمعات الكبيرة، يتشاغل إذا قابل الناس هرباً من المواجهة، ونحو ذلك، وهذه الطرق وما شابهها نتاج علمي تعلّمه جيد؛ لتطوير الذات، وتربية الغير، مع ملاحظة أن مصمميها أنفسهم يعطون نسبة صدق معينة لنتائجها، ولا يجزمون بإطلاق النتيجة، ثم إنها تعطى كخطوة لتعديل السلوك، وتنمية الشخصية، فيتبعها عادة تدريبات تحدُّ – مثلاً - من الخجل، وتدفع لانطلاق أكبر.
ومِن طرق تحليل الشخصية المتبع ما يتعلق بأمور باطنة، ويُزعم أنها حقائق قطعية، بل وتعدُّ حكماً على الشخصيات، لا خطوة لإصلاحها، وحقيقة هذه الأنواع: كهانة وعرافة بثوب جديد، لا تختلف عن القول بأن مَن ولد في نجم كذا، أو طالع كذا: فهو كذا، وحظه كذا!.
وقد يزيِّن مروجو هذا الباطل باطلهم فيزعمون أنه " فراسة "!، أو يلبسوه لبوس العلم والدراسات الاستقرائية، حتى يظن من يسمعه لأول وهلة بوجود أسس منطقية يبنى عليها، وحقيقة الأمر: أنها مجرد قول بالظن الذي نهينا عنه من وجه، كما أنها متعلقة بالتنجيم، والاعتقاد بالكواكب، وغيرها من وجه آخر، ثم هي تصرف عن الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، وعن ما تدل عليه العقول السليمة، والمتوافق مع هدي النقل الصحيح، لذلك قال ابن تيمية عن أمثالها في عصره: " فإنها بديل لهم عن الاستخارة الشرعية ".
وتقوم أكثر نماذج التحليل من هذا النوع على روابط فلسفية، وأسرار مدعاة، مأخوذة من الكتب الدينية للوثنيات الشرقية، وتنبؤات الكهان، ودعاواهم، كخصائص الحروف، ومن ثم يكون مَن يبدأ اسمه بحرف كذا: شخصيته كذا، أو خصائص الألوان، فمن يحب اللون كذا: فهو كذا، أو أسماء الأبراج الصينية، فمن يحب الحيوان كذا: فهو ميال إلى كذا، وغير ذلك، وأكثر هذه الأمور عند التدقيق فيها: تشمل أمورا صحيحة، وأخرى خاطئة، ممزوجان معاً، لذا تشتبه على كثير ممن يلاحظون الصواب فيها فقط.
ومن هذا النوع الفاسد: ما انتشر مؤخراً بثوب علمي متخذا اسم " علم الجرافلوجي " ومضمونه " تحليل الشخصية " عبر الخط، أو التوقيع، فالحقيقة: أن ما يتضمنه هذا العلم - إن سلمنا بهذا الوصف له - هو الظن، والرجم بالغيب، مع العرافة، والكهانة، وكلما كان صاحبه أحذق: كلما كان أقرب إلى إعانة الشياطين، بإخبارهم ببعض المغيبات الماضية، أو المستقبلية، مزينين له الباطل على أنه علم إنما تلقاه من معرفته بخصائص دلالة هذا الانحناء في التوقيع، وتلك الزواية في طريقة كتابة حرف كذا، ونحو ذلك، وقد عجبت من تلك المدربة المسلمة - عفوا " العرَّافة " - التي مضت تخبر المعلمات في إحدى المدارس بطفولتهن، وما تحب كل واحدة، وماذا تكره، وماذا تتوقع لها مستقبلاً، زاعمة أن ذلك من فراستها في خطهن وتوقيعاتهن!!.
ولو فكرنا بعقولنا فقط بعيداً عن تأثير الدعاية لفوائد هذه الدورات وإيحاءات نفعها لنتساءل: ما الفائدة المرجوة من ورائها وهي تعطي حكماً على الشخصيات، لا تعطي دلائل على السمات، وتدل على طرق تقويمها؟.
ثم أي خط ذلك الذي تستشف منه شخصية شخص بارع في محاكاة الخطوط جميعها، وتزوير التوقيعات؟ ما هو مصدر هذا العلم؟ من هم أهله؟ رواده؟ ماهي مصادره المكتوبة؟ ماهي قيمته في الساحات العلمية؟ وما هي فوائده للحياة والعبادة، في الدنيا والآخرة؟ لمَ لَم يعلمنا إياه رسولنا الحبيب صلى الله عليه وسلم الذي ما ترك من خير إلا ودلَّنا عليه، ولا شر إلا وحذرنا منه، فجزاه الله عنَّا بخير ما جزى نبيّاً عن أمته، ألف تساؤل وتساؤل، قد يجد المفتونون بهذه الضلالات جواباً لبعضها، ويجيدون التهرب من بعضها، ويبقى أكثرها دون إجابة شافية.
وختاماً: أؤكد أن كل ما نحتاجه لنعرف أنفسنا، ونعرف الآخرين: قد دل عليه النقل الصحيح، أوالعقل الصريح، وما دون ذلك: فهو تزيين الشياطين، وإغواؤهم، وصرفهم لبني آدم عما ينفعهم، وتحليل الشخصية أو بعض سماتها بالمنهج العلمي الذي يقوم به المختصون يختلف عن هذا الهراء الباطل، فالتحليل الصحيح يعتمد على معطيات حقيقية، وأسس سلوكية، يستشف من خلالها بعض السمات العامة للشخصية، ويتضمن الدلالة على طريقة تعديل السيء منها، وتعزيز الجيد، ومن ثَمَّ تغيير الشخصية للأفضل، أو ما نسميه " التربية "، و " تزكية النفس ".
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، وصرفَ عنَّا ضلالات الباطنية.
http://www.alfowz.com/index.php?option=com_*******&task=view&id=87&Itemid=2 (http://www.alfowz.com/index.php?option=com_*******&task=view&id=87&Itemid=2)
والله أعلم
الإسلام سؤال وجواب
http://www.islam-qa.com/ar/ref/121011
¥