فعلى افتراض إمكان زواج الأنسي بجنية فإن ذلك لا يجوز شرعا، لمفهوم قوله تعالى: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً) [النحل:72] وقوله سبحانه: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً) [الروم: 21] قال المفسرون في معنى الآيتين: (جعل لكم من أنفسكم أزواجاً) أي من جنسكم ونوعكم وعلى خلقكم. قال الإمام السيوطي في الأشباه والنظائر: (فإن قلت: ما عندك من ذلك؟ قلت: الذي أعتقده التحريم، واستدل بالآيتين المتقدمتين: ثم قال: فروي المنع منه عن الحسن البصري، وقتادة، والحكم بن عيينة، وإسحاق بن راهويه. وقال الجمال السجستاني من الحنفية في كتاب (منية المغني عن الفتاوى السراجية) لا يجوز المناكحة بين الإنس والجن، وإنسان الماء لاختلاف الجنس. وذكر وجوهاً أخرى للمنع منها: أن النكاح شرع للألفة، والسكون، والاستئناس، والمودة، وذلك مفقود في الجن.
ومنها: أنه لم يرد الإذن من الشرع في ذلك، فإن الله تعالى قال: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء) [النساء:3] والنساء اسم لإناث بني آدم خاصة، فبقي ما عداهن على التحريم، لأن الأصل في الأبضاع الحرمة حتى يرد دليل على الحل. ومنها: أنه قد منع من نكاح الحر للأمة، لما يحصل للولد من الضرر بالإرقاق، ولا شك أن الضرر بكونه من جنية وفيه شائبة من الجن خَلقاً وخُلقاً، وله بهم اتصال ومخالطة أشد من ضرر الإرقاق الذي هو مرجو الزوال بكثير، ثم قال: وإذا تقرر المنع، فالمنع من نكاح الجني الأنسية أولى وأحرى) انتهى ملخصاً.
وإنما منع زواج الجني من الإنسية لما تقدم، ولئلا تقول المرأة إذا وجدت حاملاً إنها حامل من زوجها الجني فيكثر الفساد. وقال الماوردي بخصوص المناكحة بين بني آدم والجن:
(وهذا مستنكر للعقول، لتباين الجنسين، واختلاف الطبعين، إذ الآدمي جسماني، والجني روحاني. وهذا من صلصال كالفخار، وذلك من مارج من نار، والامتزاج مع هذا التباين مدفوع، والتناسل مع الاختلاف ممنوع (نقله عنه صاحب أضواء البيان) (3/ 241).
وأخيراً نقول: إن زواج الإنسي بالجنية على فرض إمكانية وقوعه - وهو مستبعد جداً - يترتب عليه مفاسد كثيرة، لقدرة الجنية على التشكل بصورة أخرى، وكيف يثق أن التي تخالطه هي زوجته حقاً، ربما كانت غيرها، ولأن الزواج لا بد فيه من ولي وشاهدي عدل كشرط صحة للنكاح، ولا بد من خلو المرأة من الموانع، وربما تعذر تحقق كل ذلك لاختلاف طبيعة الجن عن الإنس، إلى غير ذلك من الأمور.
والله أعلم.
مس الجنُّ للإنس
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
" دخول الجني في بدن الإنسان ثابت باتفاق أئمة أهل السنة والجماعة، قال الله تعالى: (الذين يأكلون الربا لا يقومون إلا كما يقوم الذي يتخبطه الشيطان من المس) البقرة /275، وفي الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم) " انتهى. " مجموع الفتاوى " (24/ 276، 277).
فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء - (1/ 283 (
السؤال الثالث من الفتوى رقم (5802: (
س3: من الناس من تلبس بهم الجن فيقال: عليه أسياد أو عليه شيخ ويكون من الجان وقد يكون كافرا أو نصراني فيأمر المتلبس بأشياء مخالفة للشرع مثل عدم الصلاة أو الذهاب للكنيسة أو بعمل أشياء لا يطيقها وإن لم يفعل فإنهم يعذبوه. ما هي الطريقة الشرعية للتخلص من هؤلاء؟
ج3: مس الجن الإنسان أمر واقع، وإذا أمر الجني من مسه بمحرم وجب على المصاب أن يتمسك بشرع الله وأن يعصي الجني في أمره بمعصيته الله وإن آذاه الجني، وعليه أن يتعوذ بالله من شره ويحصن نفسه بقراءة القرآن وبالتعوذات الشرعية وبالأذكار الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم منها: الرقية بقراءة سورة (الفاتحة)، ومنها: قراءة سورة (قل هو الله أحد)، والمعوذتين، ثم ينفث في يديه ويمسح بهما وجهه وما استطاع من بدنه ثم يقرأ هذه السور الثلاث مرة ثانية وينفث في يديه ويمسح بهما وجهه وما استطاع من بدنه ثم يقرؤها مرة ثالثة، وينفث في يديه، ويمسح بهما ما استطاع من بدنه إلى غير ذلك من الرقية بسور القرآن وآياته وبالأذكار الثابتة مع اللجوء إلى الله في طلب الشفاء والحفظ من شياطين الجن والإنس، وارجع إلى كتاب [الكلم الطيب] لابن تيمية، وكتاب [الوابل الصيب] لابن القيم، و [الأذكار] للنووي ففيها بيان كثير من أنواع الرقية.
¥