وإنهم لا يقنعون بمرحلة، وإنهم جادون اليوم في تغير المادة الثانية من الدستور للقول بأن البلد للكافرين كما هي للمسلمين، وإنهم اليوم يتمددون، ويهاجمون كل من يحاول أن ينتقدهم، كان فرداً أو كانت مؤسسة، فقد هجموا على الشيخ زغلول النجار، وعلى عدد غير قليل من المتصدرين للناس الساكتين عنهم، وهاجموا عدداً من المساجد التي تقف في وجههم كان آخرها مسجد العزيز بالله، ويقفون بالمرصاد لكل من ينتقدهم وإن كان بأسلوب علمي بعيد عن التجريح وتعاطي الأشخاص، حتى سارع قومنا في رضاهم أو بالأحرى في تجنب سخطهم. فصاروا يمتنعون عن ما يؤذيهم.!!
وإن النصارى اليوم يتجهون متكئين على الكوافر والروافض والملحدين وباقي المنحرفين إلى التوجه السلفي في الأمة، فالله الله وأنتم رواده، وأعيانه، بل رأسه وعينه ولسانه.
وفي المقابل .. ومع أن الحدث جلل، ومع أنه يدوي في كل جنباتها .. وفي كل أوقاتها، ومع أن ثمار الشر بدت، إلا أن قومنا ما زالوا خلف الحدث، قد صموا آذانهم واستغشوا ثيابهم، متعللين بالشغل.!!
ولا يطلب منهم أكثر من رد الشبهات، ولا يطلب منهم أكثر من البيان للناس.!!
هل المشكلة قبطية، تتعلق بالداخل المصري فقط؟
هكذا تبدو، ولكنها في جوهرها عالمية، دلائل عالميتها ما يحدث من آن لآخر في جنبات المعمورة من تطاول على شخص رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وعلى ثوابت الدين، في الدينمارك ثم أوروبا كلها، ثم عودة الدينمارك ثانية، ثم في المغرب العربي (في بعض الصحف) ثم في أمريكا حين داسوا المصحف، ومن دلائل عالمية هذا التغير الفكري أن الصراع العسكري كله في العالم الآن على خلفيات عقدية، في فلسطين، والعراق، والصومال والشيشان وأفغانستان، فكما قدمتُ لكم الصراع تجدد على خلفيات دينية ... ولكن الأقباط بحمقهم يتصدرون، وعلينا أن نحافظ عليها قبطية ... لماذا؟
لأن الأقباط تغلي صدورهم، ويمسك زمامهم سفهاؤهم، فهؤلاء الذين على رأس الكنيسة المصرية الآن مردة .. من شياطين الإنس، متمردون .. قتلة، ومثل هؤلاء لا يملكون حيلاً فكرية، ولا يصبرون لأهداف بعيدة، وإنما طواغيت يبحثون عن تغير في أرض الواقع في حياتهم هم، وهو ما لم يأذن به الله في سننه الكونية ... وقد بثوا خطاباً حماسياً في قومهم فحشدوهم عن بكرة أبيهم، حتى أنك لا تسمع مخالفاً من الأقباط، وهذه حالة من التعبئة للصدام، وليست حالة من الدعوة والفكر ... فوجود الأقباط بهذا الشكل أمان من فك الاشتباك وعودتها ثانية إلى المصالحة بين الكفر والإيمان.
من يقف في وجه الأقباط؟
لم يسجل الحاملون للدعوة الآن .. ممن يتحدثون للناس .. من شيوخنا ـ حفظهم الله ـ حضوراً، ولا دعماً، اللهم ما قل وندر في الفترة الأخيرة، ولستُ هنا ـ ولا هناك ـ أرصد خطئاً، أو أشجب على أحدٍ، فكل أدرى بحال نفسه، وكل موقوف بين يدي ربه، وملاقٍ نبيه على الحوض فمرحبٌ به أو مدفوع مزجور، عياذاً بالله.
الفاعل الأساسي في وجه النصارى اليوم هم (المتحمسون)، هكذا أسميهم، ويطيب لي تسميتهم بهذا، وهم رجال كتب الله أجرهم ورفع الله ذكرهم وغفر الله لنا ولهم.
المتحمسون والحاجة للدعم:
كانت بدايتهم عفوية، بلا تخصص ولا أدنى دراية، كانت بدايتهم لا تهدف لغير الانتصار على من تطاول على حرمات الدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومعرفتهم معدومة أو تكاد. ثم هم اليوم ظاهرة تشكلت وفرضت نفسها على الواقع، فمنهم مَن لا يتجرأ عليه أعلى تخصص في الكنيسة المصرية، ومنهم اليوم من يتكلم العبرية، واليونانية، فضلا عن الإنجليزية، درسوا تلك اللغات الغريبة نصرة للدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ومنهم من يتكلم في مسائل دقيقة جداً تَبَيَّنَ أن كثيراً من قساوسة النصارى لا يسمعون عنها، وأعني (النقد النصي) تحديداً. ومن يصنف كتباً يقف أمامها منبهراً المنصفون من المختصين في (مقارنة الأديان).
إننا أمام ظاهرة جديدة (تخصص المتحمسين)، تشكلت في البالتوك، ونمت وتطورت، وهي اليوم تتكاثر، فهم يؤلفون الكتب التي يشيد بها نفر من الحاصلين على الشهادات، ويصدرون المجلات الدورية ذات التخصصية العالية. ويحتاج هؤلاء الدعم منكم حفظكم الله.
لا يوجد عذر حقيقي للتخلي عن رد الشبهات التي تثار حول الدين وسيد المرسلين ـ صلى الله عليه وسلم ـ. ولا يوجد عذر حقيقي للجلوس عن بث ثقافة مضادة للتنصير عند عامة الناس. وإن من يقل عنها صغيرة تكبرونها بمقالاتكم لم يعط المسألة حقها، وإن سكت الناس اليوم عن لومه تكلموا غداً، فبعد أن يموت المرء ويغيب من حياة الناس لا تكون له ذات المهابة التي كانت له وهو بينهم، وساعتها ـ وهو في التراب معرض للحساب ـ، يكون أرجى للحسنات وأدفع للسيئات.
القضية بعيدة عن السياسة، وبعيدة عن المشاغبات الأمنية فلا أحد يطالِب بنفير ضد أصحاب السلطان، ولا أحد يرضى بتهييج العوام، فقط بث ثقافة مضادة لما يتكلمون به، ثقافة تدفع الشبهات وتبصر الناس بحقيقة ما (يبشرون به). ثقافة تدفع الكفر عن الناس.
ولا يتطلب الأمر قطع برامج الشيوخ وطلبة العلم الكرام، بل إدراج هذا الهدف ضمن برامجهم، ويسع الجميع، وتوجيه طلبة العلم في مصر إلى دراسة النصرانية كأحد أهم القضايا الدعوية المطروحة الآن.
هذا ما عندي مختصراً، وآثرت الوصف على الطلب، وأنتم أنتم في عقلكم وعلمكم، ولا نزكي على الله أحداً من خلقه، وإن شئتم مزيد بيان كتبت لكم بما تأمرون به.
محمد بن جلال القصاص
ظهر الجمعة 21/ رمضان / 1430هـ
11/ 09 /2009
¥