تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ما أحوجنا الى الفرار الى الله" فهذه خطبة تعين على ذلك" إن شاء الله]

ـ[صابر ريان]ــــــــ[12 - 10 - 09, 09:37 م]ـ

ففروا إلى الله

الحمد لله رب العالمين الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، أحمده سبحانه وأشكره جعل الفوز والنجاح لمن استمسك بعرى الدين، وجعل الوبال والخسران على من أعرض عن طريق الهدى أو كان من الغافلين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمان الخائفين ومجيب دعوة المضطرين وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله صادق الوعد الأمين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الغر الميامين.

أما بعد فأوصيكم عباد الله ونفسي القاصرة المذنبة أولاً بتقوى الله فهي طريق النجاة من النار يوم الدين يقول الله جل جلاله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا () ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} ([1]).

أيها الأحبة في الله هل رأى منكم فاراً من مهلكة؟ ليتصور كل واحد منا كيف يكون حاله إذا برز له أسد فجأة على الطريق وأخذ يعدوا وراءه، أو برز له عدو مسلح وأخذ يطارده، فكيف يكون ردة فعل المطارد أيمشي على هون؟ أيتلفت يمنة ويسرة؟ أم أنه ينطلق بكل ما أوتي من قوة يعدو ولا يشغل باله في تلك اللحظات إلا النجاة والأمان من مطارده؟

الفرار ليس له إلا صورة واحدة ألا وهي الانطلاق بكل ما أوتي الفار من قوة طلباً للنجاة، فهل جرب كل واحد منا الفرار؟ الفرار أمر حتمي لكل واحد منا لأنه أمر رباني أمرنا الله به، لكن الفرار إلى أين؟ لقد حدد الله لك الوجهة ورسم لك الطريق فقال سبحانه: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ} (2)، نعم إنه الفرار إلى الله، تفر إلى الله لأن خلفك عدوك إبليس يسعى خلفك جاهداً بكل ما أوتي من قوة ليجعلك من أصحاب السعير أخبرك بذلك ربك وحبيبك يوم أن قال: {إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (3)، ومع الأسف هناك من الناس من عكس طريق سيره فسار باتجاه عدوه ففرح به ذلك العدو واحتضنه فأصبحت ترى شيطاناً في ثوب إنسان؛ لا يدع طريقاً من طرق الفساد إلا سلكه وبلا تردد وليته سلكه وحده لا بل قام يدعو إليه ويحبب الناس فيه؛ وأمثلة هذا الصنف في حياتنا عديدة فمنهم المنادون بحرية المرأة وإفسادها ومنهم القائمون على القنوات بفحشها وفجورها والقائمة تطول، فلماذا كانوا كذلك لأنهم ما استجابوا لنداء اللطيف الخبير: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِينٌ}، تفر إلى الله لأن خلفك الدنيا بفتنتها وشهواتها وزينتها؛ فكم من عبد تباطأ في فراره إلى الله والتفت يمنة ويسرة إلى الدنيا فأسرته فشغل عن الفرار إلى الله بعماراته أو شغل عن الفرار إلى الله بأمواله أو شغل عن الفرار إلى الله بزوجته وأولاده أو شغل عن الفرار إلى الله بمنصبه وجاهه فهلك مع الهالكين كم من عبد جعل فراره إلى الدنيا فهو يفر إليها بكل ما أوتي من قوة فمنهم من يسير بسيارته مسرعاً حتى لا تفوته مباراة في كرة القدم حاسمة، ومنهم من يفر بكل قوته حتى لا تفوته صفقة رابحة، ولمثل هؤلاء يقول العليم الحكيم: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} (4)، وقد يقول قائل أيعني الفرار إلى الله تعطيل الحياة الدنيا؟ فنقول له: لا. ولكن الله يوم أن أمرنا بالسعي لطلب الرزق لم يأمرنا بالفرار وإنما أمرنا بالمشي يقول الرزاق الكريم: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ} (5)، والمشي له صور عدة فالصغير يمشي والكبير يمشي والشاب يمشي والعجوز يمشي والمرأة تمشي والرجل يمشي ولكل مشيته فمنهم من يمشي مسرعاً ومنهم من يمشي على مهل، فهل أدرك العباد الفرق بين المشي والفرار،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير