مَنْ أحب، أي: حبا دينيا؛ ولهذا قال: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُدْخِلَنَّهُمْ فِي الصَّالِحِينَ} " انتهى.
"تفسير ابن كثير" (6/ 264 - 265).
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840).
وقال صلى الله عليه وسلم: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) رواه أحمد (1089) وصححه الألباني.
وبناء على ذلك: فحين يتعارض أمر والديك لك بأي شيء، مع أمر الله ورسوله لك: فلا تطيعي أبويك، بل قدمي طاعة الله ورسوله، وليس ها هنا شيء من الخطأ.
لكن ذلك لا يعني سقوط كل حق لوالديك عليك، بل أمر الله تعالى بالإحسان إليهما، ومعاملتهما معاملة طيبة، رغم ذلك، قال الله تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) لقمان/15.
ونعتقد أن ما قدمناه لك من بيان الموقف الشرعي من هذه المشكلة، هو حل كاف لها، من الناحية النظرية على الأقل.
5. لكن تبقى بعد ذلك الناحية العملية، وهي الجانب الأصعب في مشكلتك، نظرا لظروفك المحيطة بك، وصغر سنك الذي لا يمكنك من الاستقلال بنفسك، وتطبيق ما ترينه صحيحا؛ فاعلمي – أختنا – أن الله تعالى لا يكلفك فوق ما تستطيعين وتقدرين، قال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/ من الآية 286، وقال تعالى: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا) الطلاق/ من الآية 7، وقال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التغابن/ من الآية 16، وقال النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (وَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ).
رواه البخاري (6858) ومسلم (1337)، وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجه (2045) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
6. وحينئذ؛ فالواجب عليك أن تجتهدي في عمل كل ما تسطيعينه من الواجبات الشرعية، وترك كل ما تقدرين على تركه من المحرمات، وأن تبادري إلى ذلك بقدر إمكانك؛ فإن منعوك من الصلاة أمامهم: فصلي من ورائهم، وإن منعوك من ارتداء الحجاب الكامل، أو لم تتمكني من الحصول على الملابس الإسلامية: فاجعلي ملابسك أقرب ما يمكنك إلى الملابس الإسلامي، ولو أن تتعلمي أنت أن تصنعي لنفسك شيئا من ذلك، أو قريبا منه. وإذا طلبوا منك أن تذهبي للكنيسة: فتعللي بأي شيء، وتهربي من ذلك قدر الإمكان، واخترعي الأعذار التي تعفيك من ذلك، وليس كل النصارى في الغرب، ولا في الشرق، يذهبون إلى الكنيسة، بل الأقل منهم من يفعلون ذلك.
وهكذا: حاولي أن تتهربي من حفلات الرقص والغناء، وما يأمرانك به مما فيه معصية، بأي عذر تخترعينه لذلك، فإن أجبرت على حضور الحفل، فاهربي من ممارسة الرقص، خاصة إذا كان مع الرجال، أو في حضورهم، وأظهري المرض، أو نحو ذلك مما يعفيك منه.
وما يجبرانك عليه من محرمات فافعلي منها الحد الأدنى، فاجعلي اللباس أستر ما يكون، ولا تسهري في مناسبتهم الحفلة كاملة، وهكذا في سائر المحرمات.
وبصفة عامة: اجتهدي في أن تفعلي ما تستطيعينه من شعائر الإسلام، وأن تتركي ما تقدرين على تركه، فإن أكرهوك على شيء من ذلك، فاجعلي تصرفاتك من الخارج فقط، واجعلي قلبك دائم الصلة بالله، والذكر له، إلى أن ييسر الله لك فرجا مما أنت فيه، وأبشري فإن الفرج قريب، وإن مع العسر يسرا: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا) سورة الطلاق/2 - 3.
¥