قال فسأل عمار -رضي الله عنه- رجلاً من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: نشدتك بالله كم تعلم كان أصحاب العقبة؟
قال: أربعة عشر رجلاً.
فقال: إن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر.
قال: فعذر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منهم ثلاثة؛ قالوا: والله ما سمعنا منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وما علمنا ما أراد القوم.
فقال عمار: أشهد أن الاثني عشر الباقين حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد].
########## تخريج القصة ##########
أخرج الحديث بطوله الإمام أحمد في المسند (5/ 453)، والطبراني في المعجم الكبير –كما في مجمع الزوائد (1/ 110 - 111) -، والبزار في مسنده (7/ 227رقم2800)، والضياء في المختارة (8/ 220 - 222رقم260،261) من طرق عن الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبي الطفيل -رضي الله عنه- به
ورواية البزار إلى قوله: ((فيطرحوه)).
ورواه عن الوليد بن عبد الله بن جُميع: يزيد بن هارون ومحمد بن فضيل وعبيد الله بن موسى العبسي
وفي رواية البزار وهي من طريق عباد بن يعقوب الرواجني عن محمد بن فضيل عن الوليد بن عبد الله بن جميع عن أبي الطفيل عن حذيفة به.
والطريق الأول أولى لأنه تتابع عليه ثقتان حافظان وهما: يزيد بن هارون وعبيد الله بن موسى العبسي.
ولعل الطريقين محفوظان.
ولا يضر هذا الاختلاف؛ لأن الإسناد الأول موصول إلى أبي الطفيل، وهو صحابي، ولعله أخذه من حذيفة أو عمار -رضي الله عنهما-، ورواية البزار تبين أنه أخذه من حذيفة -رضي الله عنه- والله أعلم.
وأصل الحديث في صحيح مسلم.
فقد رواه مسلم في صحيحه (4/ 4124رقم2779) وغيره من طريق الوليد بن جميع حدثنا أبو الطفيل -رضي الله عنه- قال: ((كان بين رجل من أهل العقبة، وبين حذيفة بعض ما يكون بين الناس فقال: أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة؟
قال: فقال له القوم: أخبره إذ سألك، فقال: كنا نخبر أنهم أربعة عشر، فإن كنتَ منهم فقد كان القوم خمسة عشر، وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد، وعذر ثلاثة، قالوا: ما سمعنا منادي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا علمنا بما أراد القوم، وقد كان في حرة فمشى، فقال: ((إن الماء قليل فلا يسبقني إليه أحد، فوجد قوماً قد سبقوه فلعنهم يومئذ)).
وللحديث طرق أخرى يطول المقام بها وما ذكرته أصح شيء في الباب.
########## الحكم عليه##########
الحديث صحيح على شرط مسلم وقد أخرج أصله كما سبق ذكره.
قال البزار -رحمه الله-: [وهذا الحديث لا نعلمه يروى بهذا اللفظ إلا عن حذيفة عن النبي وقد روى عن حذيفة من غير هذا الوجه، وهذا الوجه أحسنها اتصالاً، وأصلحها إسناداً إلا أن أبا الطفيل قد روى عن النبي أحاديث. والوليد بن جميع هذا فمعروف إلا أنه كانت فيه شيعية شديدة، وقد احتمل أهل العلم حديثه وحدثوا عنه.]
وقد سبق وأن ترجمت للوليد بن عبد الله بن جميع -رحمه الله- وبينت أنه صدوق حسن الحديث وهو من رجال مسلم.
انظر موضوع من صحيح السيرة النبوية [سرية خالد بن الوليد -رضي الله عنه- لهدم العزى].
وصححه الضياء في الأحاديث المختارة.
وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (1/ 110 - 111): [رواه الطبراني في الكبير ورجاله ثقات]
########## وفي الختام ##########
أنبه إلى أمر مهم وهو:
أن المنافقين إذ لم ينجحوا في محاولتهم اغتيال النبي -صلى الله عليه وسلم- فقد حاول المنافقون بعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- اغتيال سنته ودينه.
وقد تنوعت طرقهم في محاولات اغتيال الشرع فكان لها صور:
1/ إظهار الرفض والتشيع على يد المنافق يهودي الأصل عبد الله بن سبأ –لعنه الله-.
بل هو الذي أنشأ مذهب الخوارج أيضاً؛ إذ كانت بذرتهم أولئك البغاة الذين خرجوا على الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه-، وبقيت بقيتهم حتى خرجوا بحروراء وقاتلوا الخليفة الراشد علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-.
2/ إظهار مذهب القدرية نفاة علم الله السابق، وكان رأسهم وأولهم: معبد الجهني –لعنه الله-.
3/ إظهار منهج التجهم والإرجاء، وكان القائم بذلك: الجهم بن صفوان –لعنه الله-.
4/ إظهار بدع المعتزلة ونحوهم ممن قدم العقل على الكتاب والسنة، فأرادوا اغتيال الشرع، وتقديم زبالة أذهانهم بديلاً عن الشرع المطهر.
5/ إظهار بدع الكلابية والأشعرية والماتريدية، والتي اغتالت معظم السنة النبوية المتعلقة بصفات الباري جل وعلا.
6/ إلغاء السنة، وإنكار حجيتها، والاكتفاء بما ورد في القرآن، وقد كانت بذرتهم من بعض المعتزلة، ثم ظهرت بشكل أقبح وأسوأ في العصر الحاضر، كما عليه من يسمون بـ"القرآنيين" –لعنهم الله-.
7/ اغتيال شرع الله بترك التحاكم إليه، وبإقصائه عن الحكم، واستبداله بالقوانين الوضعية التي هي زبالة أذهان البشر مع خلطها بشيء من الحق.
وهذا وإن كان صورة من صور المذاهب البدعية القديمة كالرافضة والجهمية والمعتزلة، ثم الباطنية والحلولية، ثم التتارية الجنكيزخانية، ثم الهجمة الاستعمارية التي أظهرت هذا الاغتيال بصورة واضحة، بحيث إن هذه المصيبة عمت وطمت، ولم ينج منها إلا النادر من بلاد المسلمين.
والله المستعان
8/ اغتيال شرع الله بفصله عن الحياة وهو من أظهر مبادئ العلمانية والبعثية.
9/ اغتيال السنة بالطعن في أهلها وحماتها، وتمجيد أهل الأهواء والبدع والاعتزال والرفض والتجهم.
والله المستعان.
هذه بعض صور محاولات اغتيال السنة من المنافقين ومن اغتر بهم وانخدع.
والله السؤول أن يكفي المسلمين شر المنافقين والفجار، وأن يوفقنا للذب عن دينه وشرعه، وأن يوفقنا لما فيه صلاحنا وصلاح أمتنا الإسلامية.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
كتبه:
أبو عمر أسامة بن عطايا بن عثمان العتيبي الفلسطيني
¥