الكلام عن تعبير الرؤيا هو فرع عن الكلام عن الرؤيا وشرف هذا العلم بشرف أصله حيث أن الرؤيا جعلها الله عز وجل طريقا للوحي لأنبيائه عليهم الصلاة والسلام
ويدُلّ على شرف علم تعبير الرؤيا أن الله سبحانه وتعالى اختص به بعض أنبيائه كما قال عن نبيه يوسف عليه السلام {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِن تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ} يوسف6
فنسبة التعليم من الله عزو وجل صراحة لنبيه يوسف عليه السلام دلالة على أن هذا العلم مرتبته شريفة وعالية كما ذكر أنه علم موسى عليه السلام في هذه الآية {وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ} آل عمران48
ثانيا: من مصادره الكتاب و السنة والاشتقاق و الأمثلة والنظائر والعادات، كما أن مصادر الطب الكتاب والسنة والتجارب. ولذلك ألف بعض العلماء كتب (الطب النبوي)
ينقض استشهادك هذا بأن علم الفرائض وهو علم شرعي من مصادره الحساب والرياضيات وكذلك علم أصول الفقه فمن مصادره المنطق واللغة العربية
ثالثا: علم تعبير الرؤيا ليس خاصا بالمسلمين أو بأهل الكتاب بل هو موجود عند الوثنين من فلاسفة وهنادكة وعبدة نيران كما أن علم الطب موجود عندهم
اشتراك الأمم في بعض العلوم لا يعني اختصاص بعضها دون بعض فينقض أيضا ما ذكرته من استشهاد بأن علم أصول الفقه يعتمد على المنطق وهو مأخوذ من اليونان فلم يقل أحد من العلماء أن علم أصول الفقه ليس علما شرعيا
فكذلك علم تعبير الرؤيا جزء منه مشترك بين الأمم وهو ما يؤخذ من الملاحظة والتتبع للرؤى لكنه يظل علم قاصر عن العلم المستنبط من علم الأنبياء عليهم السلام والذي علمهم الله إياه وهذا ما يدل عليه فعل حاشية ملك مصر كما ورد في سورة يوسف حيث أنهم لم يتوصلوا إلى تفسير رؤيا الملك لكن عرفها نبي الله يوسف عليه السلام بتعليم الله له.
رابعا: علم تعبير الرؤيا يقع لكثير من المعبرين موهبة من الله وهم أميون لا يعرفون الكتاب ولا السنة وأعرف رجالا ونساء يعبرون الرؤى خير من كثير من أصحاب تعبير الرؤيا الدارسين وهم لا يعرفون شيئا في الكتاب والسنة وهذا موجود بين الناس لا ينكره أحد ومن هنا رجح بعض أهل العلم أن علم التعبير لا يتعلم بل هو موهبة. فلو كان من علوم الشرع لما وصل لهؤلاء إلا بالتعلم.
هذا الكلام فيه عموم واستدلال غير صحيح يحتاج إلى تفصيل
من المحال أن الأميين الذين لا يعرفون الكتاب والسنة يكون لديهم من العلم ما يفوق من درس هذا العلم على أصوله الصحيحة ولكن سبب الخطأ في استدلالك هو عدة أمور منها:
- وجه استدلالك (بما أن هؤلاء الأميون الجهلة برعوا في علم تعبير الرؤيا أكثر ممن درس فهذا يدل على أن هذا العلم وضيع أو غير شرعي) وهذا الاستدلال بهذه الطريقة لاشك غير صحيح فعلم تعبير الرؤيا درجات كثيرة من الصعوبة يبدأ بالسهل جدا والذي يعرفه أناس كثيرون وينتهي بمستوى من الصعوبة لا يعلمه إلا النادر من المختصين.
ولو أردنا تقريب الخطأ الذي وقعت فيه بمثال وهو علم الرياضيات، فالطفل الذي يدرس الجمع والطرح يصنف أنه يدرس الرياضيات كما يصنف الذي يدرس في المستويات المتقدمة من الدكتوراة في الرياضيات بأنه يدرس هذا العلم وبينهما فرق شاسع، فكذلك من عبر بعض الرؤى البسيطة لا يعني ابداً أنه متمكن من هذا العلم ولا يقارن بالبارعين أمثال ابن سيرين رحمه الله او من برعوا فيه.
- معرفة الأميين لعلم التعبير هو معرفتهم لجزء بسيط منه وليست معرفة كاملة إنما تفسير لبعض الرؤى الدارجة والتي يكثر حدوثها للناس فهذه المعرفة لا تعني أبدا معرفتهم بأصوله وطرق استنباطه.
- كثير من الناس يظن أن هؤلاء العوام على صواب في التعبير وحتى من يتصدون للظهور في القنوات الفضائية أو المشهور منهم فأغلب هؤلاء على خطأ في التعبير فلا يميز الكثير من الناس خطأ هؤلاء لأنهم لا يعلمون دقائق هذا العلم.
فلذا مقارنتك الأميين بالدارسين وهم كلهم على خطأ مقارنة خاطئة أنتجت نتيجة خاطئة فلو قارنتهم أو قارنت تفسيراتهم بتفسيرات البارعين بالتفسير كابن سيرين لظهر لك الفرق.
وعلى هذا فاستنتاجك (فلو كان من علوم الشرع لما وصل لهؤلاء إلا بالتعلم) استنتاج غير صحيح لأنهم لم يصلوا إليه أصلا
¥