ولا عجب أن الروافض يعوِّلون على تأجيج العواطف الرعناء وتحريك مشاعر البكاء والعويل؛ فدين القوم أكاذيب في المنقول، وحماقات في المعقول؛ فلا يمكن أن يروج الكذب والشطح إلا بامتطاء هذه العاطفة الهوجاء، والمشاعر العوجاء، والعارية من الدليل والبرهان .. وهذا ما أوصى به خامنئي شيعته - بمناسبة عاشوراء عام 1426هـ - قائلاً: «إن مجالس العزاء [2] مستمرة إلى يومنا هذا، ولا بد من أن تستمر إلى الأبد؛ لأجل استقطاب العواطف؛ فمن خلال أجواء العاطفة والمحبة والشفقة يمكن أن تُفهم كثير من الحقائق» [3]!
لكن العجب أن يضاهي أولئك ويسلك سبيلهم طوائف من متسننة هذا العصر؛ فما كان يُسمَّى إنشاداً - في الماضي القريب - قد أضحى غناءً ومجوناً .. فالترخُّص المُفْرِط في النشيد أفضى إلى الافتتان بالمؤثرات الصوتية، والولع بمعالجة الأصوات وَفْق تقنيات الحاسوب، والهيام بالآهات والترنُّمات .. !
فهذا الركام المتتابع من الانفلات أوقع ولوغاً في غناء الفجور، وسماع المعازف، فانحدر بعض المنشدين إلى خمر النفوس ورقية الزنى والمجاهرة باستعمال ألحان وموسيقى المجون .. بل تفوَّه أحد المنحدرين بأن إظهار الموسيقى هو مقتضى الصراحة!
وهكذا البدع والانحرافات تبدأ شبراً، ثم تكون ذراعاً، ثم تصير باعاً، فأميالاً وفراسخ .. وكما قال عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه -: «الغناء ينبت النفاق في القلب، كما ينبت الماء البقل» [4].
ومن المعلوم أن البقل ينبت في الأرض شيئاً فشيئاً لا يحسّ الناس بنباته [5].
وهذه الأناشيد الموسيقية تحرِّك الشهوات الكامنة في النفس، وتثيرها تلك الأصوات والمعازف «فالنغمات المرتبة على النسب التلحينية هو المؤثر في الطباع فيهيجها إلى ما يناسبها، وهي الحركات على اختلافها» [6].
فالأصوات الملحّنة تهيِّج وتحرِّك من كل قلب ما فيه من محبة مطلقة لا تختص بأهل الإيمان، «وكل إناء بالذي فيه ينضح»، فقد تحرِّك محبة الله تعالى، أو محبة الأوثان، والصلبان، والأوطان، والنسوان .. [7].
كما أن هذه الأصوات المطربة يزداد أثرها وتعظم حركتها عند النسوان والصبيان والحيوان؛ لأنه ثوران الطباع، فيشترك فيه الإنسان والحيوان، وكلما ضعف العقل قويت حركة النفوس وتواجدها فرحاً أو حزناً .. لكنها حركة ووجد بلا علم ولا هدى ولا كتاب منير [8].
قال ابن تيمية: «وأما التحرك بمجرد الصوت فهذا أمر لم يأت الشرع بالندب إليه، ولا عقلاء الناس يأمرون بذلك، بل يعدُّون ذلك من قلة العقل، وضعف الرأي، كالذي يفزع عن مجرد الأصوات المفزعة المرعبة» [9].
وتحاكي الأناشيدُ الحاضرة الغناء المعهود، بل تماثله مماثلة القُذَّة للقُذَّة، بحيث يتعذر على أرباب الإنشاد والمونتاج التفريق بينهما فضلاً عن غيرهم!
فهذا النشيد الموسيقي والغناء:
رضيعا لبان ثدي أم تقاسما بأسحم داج عوْضَ لا نتفرقُ
ومع هذه المماثلة الظاهرة إلا أن بعضهم يصرُّ على تفريق موهوم بين إنشاده وغناء المجون، فليحذر من هذا التحايل البغيض والذي اتسع خرقه، وتتابع نقضه، فتلبَّس أصحابه بسماع الغناء الحرام مع المخادعة والاحتيال.
قال أيوب السختياني: يخادعون الله، كأنما يخادعون الصبيان. ولو أتى الأمر على وجهه لكان أهون عليّ [10].
وها هو ابن القيم يحذِّر من التوثُّب على محارم الله - تعالى - باسم الحيل، فيقول: «فحقيق بمن اتقى الله وخاف نكاله أن يحذر استحلال محارم الله بأنواع المكر والاحتيال، وأن يعلم أنه لا يخلصه من الله ما أظهره مكراً وخديعة من الأقوال والأفعال، وأن يعلم أن لله يوماً تُبلى فيه السرائر، ويحصّل ما في الصدور .. هنالك يعلم المخادعون أنهم لأنفسهم كانوا يخدعون، وبدينهم كانوا يلعبون، وما يمكرون إلا بأنفسهم وما يشعرون» [11].
ويتعلَّل بعض المولعين بالنشيد المتهتك بأن أصل النشيد مباح، فهي أصوات بشر وشجر ونحوهما، وتم تركيبها ومعالجتها حسب تقنيات الحاسوب .. وهذا تعليل عليل؛ إذ العبرة بالحقائق، ومآلات الأمور، فقد استحال هذا النشيد إلى غناء ومعازف، كما لو استحال العنب إلى خمر، وهذه المعالجة الحاسوبية أوقعت في تلاعب بالأصوات وتغييرها من صوت بشر وشجر وماء .. إلى صوت معازف وموسيقى ..
¥