هذا التعدد الواسع في المصطلحات هو في حد ذاته مدعاة للغموض, خاصة إذا ما علمنا أننا إذا بحثنا في مفاهيم ومضامين هذه المصطلحات, وهل هي مفاهيم واحدة وبالتالي تكون هذه المصطلحات مترادفة أم هي مفاهيم مختلفة, ومن ثم تصبح هذه المصطلحات معبرة عن صور عديدة متنوعة الخصائص, إذا ما أردنا ذلك فإننا لا نستطيع الحسم في المسألة, مما يزيد الموقف غموضا , حيث نجدها أو بالأحرى بعضها يعامل عند البعض على أنه مترادفات, بينما لا يراه البعض الآخر كذلك.
ثم إننا لا نملك اتفاقا بين الكتاب والتطبيقات حول ماهية كل صورة وخصائصها. وهكذا يجد القارئ لهذا الموضوع قدرا كبيرا من العناء في البحث والتحري وتجلية موضوعه ومقصوده, وربما كان مرجع ذلك كله أن هذه الاستحداثات الجديدة في استخدام صيغة أو أداة الإجارة التقليدية التي يعرفها الإنسان حق المعرفة منذ آماد وعصور بعيدة قد نشأت في ظل أنظمة وقوانين وضعية مختلفة ومتغايرة في نظراتها وتوجيهاتها, كما أنها جاءت بهدف تلبية رغبات متنوعة من مكان لآخر, فبعض القوانين الوضعية تعطي حقوقا للمؤجر والمستأجر لم تعطها لهما قوانين وضعية أخرى, وبعض القوانين تشترط في بعض الصور شرطا لم تر اشتراطها قوانين أخرى وربما تمنعها, وبعضها اهتم أكثر بعناصر التأجير بينما الآخر اهتم بعنصر التمويل أكثر .. الخ (13).
وفي ضوء هذا الغبش الفكري نجد من أنسب المناهج التي يمكن استخدامها في دراسة الموضوع جمع كل هذه الصور المستحدثة تحت مصطلح كبير جامع هو الإجارة المالية ليكون في مقابلة المصطلح الآخر المعروف بالإجارة التشغيلية, وعلى أساس أنه يندرج تحته كل الصور المستجدة وكل هذه المصطلحات المستحدثة, والتي سلفت الإشارة إليها (14) وربما كان أفضل تعريف للإجارة المالية هو تعريف لجنة الأصول المحاسبية الدولية, والذي يذهب إلى أنها "عقد الإجارة الذي تتحول من خلاله كل مخاطر ونفقات ملكية الأصل من المؤجر إلى المستأجر, سواء تحولت ملكية الأصل للمستأجر في النهاية أم لا" (15) وفيما يلي نعرض بعض الصور المشهورة للإجارة المالية (16):
أ) الإجارة بدون خيار الشراء أو تجديد الإجارة: معنى ذلك أنه في نهاية مدة الإجارة يكون للمؤجر الحق الكامل في التصرف في الأصل المؤجر والاستفادة منه, وهذه الصور ليس لها رصيد واقعي كبير, لأنها غالبا ما لا تشبع للمؤجر رغباته, خاصة إذا كانت مدة الإجارة لا تقل عن العمر الإنتاجي المفترض للأصل المالي: كما أنها لا تحقق للمستأجر ميزة على الإجارة التشغيلية مع تحميلها إياه لعبء النفقات والصيانة ومخاطر الملكية.
ب) الإجارة التي يمتلك فيها المستأجر بنص العقد الأصل المؤجر دون أية ثمن, بمعنى أنه بسداد القسط الأخير يصبح الأصل موضع الإجارة ملكا للمستأجر دون الحاجة إلى أية إجراءات جديدة ودون الالتزام بدفع أي شيء جديد, وهذه الصورة لها أكثر من مصطلح, فهي تسمى التأجير الشرائي أو البيعي, كما تسمى البيع عن طريق التأجير, وكذلك التأجير الساتر للبيع, وأيضا البيع الايجاري.
وأيا كان المصطلح فهو مترجم عن Hire-Purchase ومن الواضح أن هذه الصورة هي من حيث الجوهر والحقيقة بيع وليست إجارة, فهو بيع مقسط تؤول الملكية فيه إلى المشتري "المستأجر" بسداده لأقساط الثمن "الأجرة" (17) ومن الواضح أن قسط الإيجار مراعى فيه سداد جزء من ثمن الأصل وتحقيق قدر من العائد (18). وصياغة العقد تحت بند الإجارة وليس البيع مرجعه تحقيق العديد من المزايا المؤجر, ومن ذلك ما يتعلق بالضرائب, والاحتفاظ بحق الملكية أيا كانت الظروف. وهذه الصورة من الإجارة غالبا ما تكون ثنائية الطرفين, ولا تتطلب طرفا ثالثا , كما هو الحال في بعض الصور الأخرى.
جـ) الإجارة التي يمتلك فيها المستأجر الأصل في نهاية المدة بثمن رمزي. ويعنى ذلك أن ينص في العقد على المستأجر إذا سدد ما عليه دون تأخير فله حق تملك السلعة ملكية تامة بثمن رمزي مقداره كذا, وبالتأمل في هذه الصورة نلاحظ أن الأقساط الإيجارية هنا تعادل ثمن الأصل مع هامش ربح ارتضاه المؤجر, وإنما وضع هذا الثمن الرمزي الذي لا يمثل بحال ثمن الأصل بل ولا جزءا ذا بال منه ليظهر العقد في صورة عقد إجارة, وليس عقد بيع, حتى يتحقق للمؤجر ما يصبو إليه من ضمان لحقوق في الأصل كلمة, حتى يسدد المستأجر كل ما عليه من
¥