تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الثبوت من غير زوال، فلذلك لا تجد فيها بعد كمالها نسخاً، ولا تخصيصاً لعمومها، ولا تقييداً لإطلاقها، ولا رفعاً لحكم من أحكامها، لا بحسب عموم المكلفين، ولا بحسب خصوص بعضهم، ولا بحسب زمان دون زمان، ولا حال دون حال، بل ما أثبت سبباً: فهو سبب أبداً لا يرتفع، وما كان شرطاً: فهو أبداً شرط، وما كان واجباً: فهو واجب أبداً، أو مندوباً: فمندوب، وهكذا جميع الأحكام، فلا زوال لها، ولا تبدل، ولو فُرض بقاء التكليف إلى غير نهاية: لكانت أحكامها كذلك.

" الموافقات " (1/ 109، 110).

4. ضابط فهم هذه العبارة في أمرين:

أ. التغير في الفتوى، لا في الحكم الشرعي الثابت بدليله.

ب. التغير سببه اختلاف الزمان، والمكان، والعادات، من بلد لآخر.

وقد جمعهما الإمام ابن القيم رحمه الله في قوله:

" فصل، في تغير الفتوى، واختلافها، بحسب تغير الأزمنة، والأمكنة، والأحوال، والنيات، والعوائد "، والعوائد: جمع عادة، وهو فصل نفيس، ذكر فيه – رحمه الله – أمثلة كثيرة، فلتنظر في " إعلام الموقعين " (3/ 3 فما بعدها).

ونضرب على ذلك أمثلة، منها:

1. اللُّقَطة، فإنها تختلف من بلد لآخر، ومن زمان لآخر، في تحديد قيمة ما يجوز التقاطه، وتملكه من غير تعريف، فيختلف الأمر في البلد نفسه، فالمدينة غير القرية، ويختلف باختلاف البلدان، والأزمنة.

2. زكاة الفطر، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد شرعها طعاماً، بمقدار صاع، وقد نص الحديث على " الشعير "، و " التمر "، و " الإقط "، وهي الآن ليست أطعمة في كثير من البلدان، فالشعير صار طعاماً للبهائم، والتمر صار من الكماليات، والإقط لا يكاد يأكله إلا القليل، وعليه: فيفتي العلماء في كل بلد بحسب طعامهم الدارج عندهم، فبعضهم يفتي بإخراج الأرز، وآخر يفتي بإخراجها ذرة، وهكذا.

فالحكم الشرعي ثابت ولا شك، وهو وجوب زكاة الفطر، وثابت من حيث المقدار، ويبقى الاختلاف والتغير في نوع الطعام المُخرَج.

والأمثلة كثيرة جدّاً، في الطلاق، والنكاح، والأيمان، وغيرها من أبواب الشرع.

وانظر مثالاً صالحاً لهذا في جوابنا على السؤال رقم (125853).

قال القرافي رحمه الله:

فمهما تجدد في العُرف: اعتبره، ومهما سقط: أسقطه، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك: لا تُجْرِه على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده، وأَجْرِه عليه، وأفته به دون عرف بلدك، ودون المقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح.

والجمود على المنقولات أبداً: ضلال في الدِّين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين، والسلف الماضين، وعلى هذه القاعدة تتخرج أيمان الطلاق، والعتاق، وجميع الصرائح والكنايات، فقد يصير الصريح كناية فيفتقر إلى النية، وقد تصير الكناية صريحا فتستغني عن النية.

" الفروق " (1/ 321).

وقد أثنى ابن القيم رحمه الله على هذا الفقه الدقيق فقال – بعد أن نقل ما سبق -:

وهذا محض الفقه، ومَن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عُرفهم، وعوائدهم، وأزمنتهم، وأحوالهم، وقرائن أحوالهم: فقد ضلَّ، وأضل، وكانت جنايته على الدِّين أعظم من جناية مَن طبَّب الناس كلهم على اختلاف بلادهم، وعوائدهم، وأزمنتهم، وطبائعهم، بما في كتابٍ من كتب الطب على أبدانهم، بل هذا الطبيب الجاهل، وهذا المفتي الجاهل: أضر ما يكونان على أديان الناس، وأبدانهم، والله المستعان.

" إعلام الموقعين " (3/ 78).

ولينظر جواب السؤال رقم: (39286 ( http://islamqa.com/ar/ref/39286) ) .

والله أعلم

الإسلام سؤال وجواب

http://www.islamqa.com/ar/ref/130689

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير