تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

يليك" يقول رضي الله عنه "فما زالت تلك طعمتي" أي تأدب بذلك والتزم بهذا الإرشاد النبوي، ولما زار مرة أو زاره يهودي وقدم له خبزا وفيه شيا من الدباء الذي هو القرع جعل يتتبع الدباء وجعل أنس يجمعه إليه فيقول انس "ما زلت أحب الدباء من يومئذ" تواضع لأنه يجيب دعوة ذلك الذي دعاه ولو لم يكن على دينه.

وكذلك أيضا لما دعته مليكة التي هي جدة أنس لطعام صنعته لم يتكبر بل أجابها وأكل من طعامها ثم أراد أن يكافئهم فقال: "قوموا لأصلي بكم" فصلى بهم على حصير فقام أنس وغلام يتيم معه يعني قد بلغ خلفه وقامت العجوز خلفهم وصلى بهم ركعتين كان ذلك ليؤنس أصحابه ويعاملهم هذه المعاملة الحسنة.

كان أهله وزوجاته قد يشتكين من قلة النفقة، لكنه مع ذلك يحثهن على الصبر إلى أن ييسر الله، ومع ذلك لم يكن يدخر لنفسه شيئًا بل كان يعيش عيشة الفقراء ويتحمل ذلك، ويمر عليه الشهر والشهران لا يوقد في بيته نار، إنما هما الأسودان التمر والماء، وحتى لما جاءه المال الكثير الذي قيل إنه تسعون ألف درهم من خراج البحرين أو جزيته نثره على بساط أو على ثوب وجاء الناس وجعل يحثوا لهم ويعطيهم، ولم يقم حتى فرقه ولم يدخر لنفسه شيئًا كل ذلك دليل على زهده في الدنيا وتقشفه وعدم توسعه، عملاً بقول الله تعالى: {وَلا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا} أي لا تغبط الذين انبسطوا في الدنيا وتوسعوا فيها، هكذا كانت حالته، ولما أن بعض زوجاته أسأن صحبته أو عملن معه عملاً فيه شيء من الخشونة أو الشدة، آلى ألا يدخل عليهن شهرًا واعتزل في مشربة له وظن بعض الناس أنه قد طلقهن، وجاء إليه عمر رضي الله عنه وصعد إليه في تلك المشربة أي الغرفة يقول: "فما رأيت ما يرد بصري إلا ثلاثة أهب" جمع إيهاب وهي الجلود التي لم تدبغ وجلس على حصير قد أثر الحصير في جنبه فدمعت عينا عمر رضي الله عنه وقال: "يا رسول الله فارس والروم قد بسطت عليهم الدنيا وأنت رسول الله" فقال: "أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم" فزهده وأخبره بأن هذه الدنيا إنما هي متاع، مما يدل على تقشفه وزهده وعدم التكلف في المأكل والمشرب ونحو ذلك.

وكان أيضا لا يعيب طعامًا أيا كان ذلك الطعام إن اشتهاه أكله وإلا تركه، هكذا معاملته للمسلمين وللصحابة رضي الله عنهم، وهو قدوة لامته الذين مرهم الله بأن يتأسوا به ويسيروا على طريقته.

نسأل الله أن يرزقنا حسن الاستماع والاتباع، وأن يجعلنا من أهل الاستقامة والسير على طريق السلف ومن المتمسكين بالسنة والسائرين على نهج نبينا صلى الله عليه وسلم والله أعلم وصلى الله على محمد.

قاله وأملاه

عبدالله بن عبد الرحمن الجبرين

رحمه الله

29/ 12/1429هـ

الرابط: http://www.ibn-jebreen.com/article2.php?id=74

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير