تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" الْعَبْدُ إِذَا نَصَحَ سَيِّدَهُ وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ" [9]،في هذا الحديث وفي نظائره حِكَم لمن تأمل، فإن الله تعالى خلقنا في هذه الدنيا لعبادته، والعزيمة شغل كل وقت الحياة بعبادته تعالى، لكن من رحمته سبحانه رخص لنا وخفف علينا ووضع عنا الآصار والأغلال، ثم مع ذلك جعل الأجر العميم في أمور نفعلها لمعاشنا كالأكل والنوم وقضاء الوطر من الأزواج والفرح بالذرية إذا نوينا بها طاعة الله، وجعل تعالى لمن بلي بنوع شغل زائدٍ أجرُه في ذلك الشغل إن أحسن فيه، أليس جعل جنة المرأة في طاعة زوجها لما كانت وظيفتها الاشتغال بطاعته وخدمته، وجعل سبحانه مضاعفة الأجر للعبد في حسن خدمة سيده لما كانت تلك وظيفته، فهذا العبد المشغول صباحا ومساء بخدمة سيده لو لم يُجعل ثوابه في ذلك عظيما لأرهق ولشق عليه أن يؤدي وظيفة العبد ثم يعبد عبادة السيد، لذلك فُرِّغ لعبادته وهي حسن الخدمة للسيد، فسبحان من أعطى كل شيء خلقه ثم هدى!

لكن همة ساداتنا من السلف الذي ابتلوا بالرق تفوق الجبال، قال سيدنا أبو العالية: "كنا عبيدا مملوكين، منا من يؤدي الضرائب، ومنا من يخدم أهله، فكنا نختم كل ليلة، فشق علينا حتى شكا بعضنا إلى بعض، فلقينا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلمونا أن نختم كل جمعة، فصلينا ونمنا ولم يشق علينا". [10]

ثم إنك قد تعجب من كثرة صلاة سلفنا وكثرة صيامهم وتفرغهم للعبادة والتلاوة والذكر والتسبيح بما لا نستطيع معشار عشره، فنحن يلزمنا الذهاب صباحا إلى الدوام، فنكدح ثمانية ساعات ثم نعود مرهقين إلى بيوتنا فنرتمي على فرشنا صرعى أخي الموت! نعم ... قد بورك لسلفنا في أوقاتهم، ومن هذه البركة أن سخر الله تعالى لهم الغلمان والعبيد الذين يكفونهم المهنة وأشغال البيت، فاعجب من حكمة الله في تشريع الرق ... ثم اعجب ... ثم اعجب ...

وإليك هذه القصة عن أسماء رضي الله عنه لترى كيف يعتق العبد حرا لمّا يكفيه مؤنة الشغل، عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ:" تَزَوَّجَنِي الزُّبَيْرُ وَمَا لَهُ فِي الْأَرْضِ مِنْ مَالٍ وَلَا مَمْلُوكٍ وَلَا شَيْءٍ غَيْرَ فَرَسِهِ، قَالَتْ فَكُنْتُ أَعْلِفُ فَرَسَهُ وَأَكْفِيهِ مَئُونَتَهُ وَأَسُوسُهُ وَأَدُقُّ النَّوَى لِنَاضِحِهِ وَأَعْلِفُهُ وَأَسْتَقِي الْمَاءَ وَأَخْرُزُ غَرْبَهُ وَأَعْجِنُ ..... وَكُنْتُ أَنْقُلُ النَّوَى مِنْ أَرْضِ الزُّبَيْرِ الَّتِي أَقْطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى رَأْسِي وَهِيَ عَلَى ثُلُثَيْ فَرْسَخٍ ..... حَتَّى أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَادِمٍ فَكَفَتْنِي سِيَاسَةَ الْفَرَسِ فَكَأَنَّمَا أَعْتَقَتْنِي". [11]

... سبيلا من سبل الرزق

رأينا قبلُ أن الله تعالى سخر لسلفنا العبيد والغلمان والإماء يكفونهم أمر المهنة وكثير من أمور الاسترزاق، فهذا سبيل رزق حرمناه بإلغاء الرق، بل كانت تجارة الرقيق النافقة يوم كانت سوق الجهاد قائمة من أعظم دعائم الاقتصاد الإسلامي، فهذه مدينة الجزائر -حرسها الله- أيام الجهاد في أوائل العهد العثماني كان قائمةُ اقتصادها على الغنائم والسبي مما يناله المجاهدون في غزوهم البحري.

ثم إن شرعنا أوجب الإنفاق على الرقيق وإطعامهم وكسوتهم، لا يُطعمون فضلة الطعام ولا يُكسون بالي الثياب، بل تطعمه مما تطعم وتكسوه مما تلبس، قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ". [12]

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير