تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثم ألغي الرق، وحرر العبيد من الاسترقاق وبعضهم لمّا يحرر بعد من مساوئ الأخلاق التي كانت مستساغة في حقهم أو متجاوز عنها أيام كونهم رقيقا، ثم اختلط الأحرار والمحررون وامتزجت أخلاقهم فضاعت الكثير من خصال المروءة لانعدام الحافز لتحصيلها.

... سبيلا من سبل التخفيف في التكاليف

كما فضل الله تعالى الناس بعضهم على بعض في المروءة، فقد جعلهم سبحانه درجات في منازل العبادة والتكليف كل حسب مقدرته، لذلك سلط الله تعالى برحمته البلاء على عباده بقدر إيمانهم، ونحن نعلم أن الرق سببه الكفر، فالمسلم من الرقيق إما أن يكون حديثا عهد به أو منحدرا من أسرة قريبة عهد به ترسخت فيها بعض العادات، ثم إن العبد في مشغلة غالبا عن تعلم أمور الدين، وذلك من أسباب التجاوز والتخفيف، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجاوز عن كثير من أفاعيل الأعراب التي لو فعلها حر لاستحق عليها العقوبة الموجعة.

من أجل ذلك خفف الله سبحانه وتعالى برحمته على الرقيق في تنصيف الحد وسقوط الجمعة والزكاة ... ، وتنصيف العدة على الإماء، وخُفف على الإماء في أمور الحجاب والستر.

قال ابن القيم في بيان حكمةجعل حد الرقيق على النصف من حد الحر: "فلا ريب أن الشارع فرق بين الحر والعبد في أحكام وسوى بينهما في أحكام فسوى بينهما في الإيمان والإسلام ووجوب العبادات البدنية كالطهارة والصلاة والصوم لاستوائهما في سببهما، وفرق بينهما في العبادات المالية كالحج والزكاة والتكفير بالمال لافتراقهما في سببهما، وأما الحدود فلما كان وقوع المعصية من الحر أقبح من وقوعها من العبد من جهة كمال نعمة الله تعالى عليه بالحرية، وأن جعله مالكا لا مملوكا ولم يجعله تحت قهر غيره وتصرفه فيه، ومن جهة تمكنه بأسباب القدرة من الاستغناء عن المعصية بما عوض الله عنها من المباحات، فقابل النعمة التامة بضدها واستعمل القدرة في المعصية فاستحق من العقوبة أكثر مما يستحقه من هو أخفض منه رتبة وأنقص منزلة، فإن الرجل كلما كانت نعمة الله عليه أتم كانت عقوبته إذا ارتكب الجرائم أتم ...... فإن العبد كلما كملت نعمة الله عليه ينبغي له أن تكون طاعته له أكمل وشكره له أتم ومعصيته له أقبح وشدة العقوبة تابعة لقبح المعصية، ولهذا كان أشد الناس عذابا يوم القيامة عالما لم ينفعه الله بعلمه، فإن نعمة الله عليه بالعلم أعظم من نعمته على الجاهل، وصدور المعصية منه أقبح من صدورها من الجاهل، ولا يستوي عند الملوك والرؤساء من عصاهم من خواصهم وحشمهم ومن هو قريب منهم ومن عصاهم من الأطراف والبعداء، فجعل حد العبد أخف من حد الحر جمعا بين حكمة الزجر وحكمة نقصه، ولهذا كان على النصف منه في النكاح والطلاق والعدة، إظهارا لشرف الحرية وخطرها وإعطاء لكل مرتبة حقها من الأمر كما أعطاها حقها من القدر، ولا تنتقض هذه الحكمة بإعطاء العبد في الآخرة أجرين بل هذا محض الحكمة، فإن العبد كان عليه في الدنيا حقان حق لله وحق لسيده، فأعطي بإزاء قيامه بكل حق أجرا، فاتفقت حكمة الشرع والقدر والجزاء والحمد لله رب العالمين." [17]

خاتمة

إن من تمعن في نصوص الكتاب والسنة ونظر في كتب الفقه و التاريخ والأدب ليستخلص أضعاف ما ذكرته من حِكم الرق ومنافعه التي حرمناها في زماننا هذا، وكان القصد من هذا المقال أولا أن نصحح مفاهيمنا على ضوء النصوص الشرعية، ولا نبالي إن نخر الكفار،فإن الكافر مهما عظم شأنه عند قومه أقل وأذل من أن يعبأ برأيه ويسمع لقوله في مثل هذه القضايا التي كفانا ديننا العظيم معالجتها، ثم أن نسعى إلى تحصيل نعم الله تعالى التي حرمناها بشؤم ذنوبنا بالعودة إلى تطبيق شرعه واتباع سنة نبيه صلى الله عليه وسلم،عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:"إِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَأَخَذْتُمْ أَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمْ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلًّا لَا يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا إِلَى دِينِكُمْ " [18].

نسأل الله تعالى الهداية والسداد.

[1] أعلام الموقعين- ابن قيم الجوزية-ت عصام الصبايطي 1425 - 2004 المجلد 2 الجزء 3 ص3.

[2] أضواء البيان-محمد الأمين الشنقيطي-دار الفكر-1415 - 1995 7/ 250.

[3] انظر تاريخ الدولة العثمانية –شكيب أرسلان-ت حسن السماحي سويدان-دار ابن كثير /دار التربية-ط1 - 1422 - 2001 ص 58 وما بعدها.

[4] انظر التاريخ الإسلامي –محمود شاكر-المكتب الإسلامي-ط4 - 1411 - 1991 (7/ 21 - 22).

[5] متفق عليه واللفظ للبخاري.

[6] البخاري كتاب الجمعة باب من أحب العتاقة في كسوف الشمس.

[7] في ظلال القرآن-سيد قطب-دار إحياء التراث الإسلامي -ط4 - 1386 - 1967 2/ 248

[8] مقاصد الشريعة الإسلامية-محمد الطاهر بن عاشور- ضمن "محمد الطاهر بن عاشور وكتابه مقاصد الشريعة"-محمد الحبيب بن الخوجة –طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية في دولة قطر 436 - 437

[9] متفق عليه

[10] سير أعلام النبلاء –ترجمة أبي العالية

[11] متفق عليه وأوردته هنا باختصار

[12] متفق عليه

[13] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان-عبد الرحمن بن ناصر السعدي-ت. عبد الرحمن بن معلا اللويحق-دار ابن حزم-ط1 - 1424 - 2003 ص173

[14] أضواء البيان 3/ 29 - 30 باختصار

[15] أعلام الموقعين المجلد1 الجزء2 ص361

[16] أصول النظام الاجتماعي في الإسلام - محمد الطاهر بن عاشور –دار سحنون /دار السلام ط2 - 1427 - 2006 وأورد رحمه الله تعالى على ذلك شواهد من الحديث النبوي وأشعار العرب ص 151 - 152

[17] انظر أعلام الموقعين المجلد1 الجزء2 ص394 - 395

[18] أبو داود وصححه الألباني في الصحيحة رقم 11

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير