تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَالْعَقْلُ عِنْدَهُمْ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ لَا يُوصَفُ بِحَرَكَةِ وَلَا سُكُونٍ وَلَا تَتَجَدَّدُ لَهُ أَحْوَالٌ أَلْبَتَّةَ. فَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ أَنَّ النَّفْسَ إذَا فَارَقَتْ الْبَدَنَ لَا يَتَجَدَّدُ لَهَا حَالٌ مِنْ الْأَحْوَالِ لَا عُلُومٌ وَلَا تَصَوُّرَاتٌ. وَلَا سَمْعٌ وَلَا بَصَرٌ وَلَا إرَادَاتٌ. وَلَا فَرَحٌ وَسُرُورٌ وَلَا غَيْرُ ذَلِكَ مِمَّا قَدْ يَتَجَدَّدُ وَيَحْدُثُ بَلْ تَبْقَى عِنْدَهُمْ عَلَى حَالٍ وَاحِدَةٍ أَزَلًا وَأَبَدًا كَمَا يَزْعُمُونَهُ فِي الْعَقْلِ وَالنَّفْسِ. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: إنَّ النُّفُوسَ وَاحِدَةٌ بِالْعَيْنِ. وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: هِيَ مُتَعَدِّدَةٌ. وَفِي كَلَامِهِمْ مِنْ الْبَاطِلِ مَا لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ بَسْطِهِ. وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ التَّنْبِيهُ عَلَى مَا يُنَاسِبُ هَذَا الْمَوْضِعَ: فَهُمْ يُسَمُّونَ مَا اقْتَرَنَ بِالْمَادَّةِ الَّتِي هِيَ الْهَيُولَى وَهِيَ الْجِسْمُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَفْسًا كَنَفْسِ الْإِنْسَانِ الْمُدَبِّرَةِ لِبَدَنِهِ. وَيَزْعُمُونَ أَنَّ لِلْفَلَكِ نَفْسًا تُحَرِّكُهُ كَمَا لِلنَّاسِ نُفُوسٌ لَكِنْ كَانَ قُدَمَاؤُهُمْ يَقُولُونَ: إنَّ نَفْسَ الْفَلَكِ عَرَضٌ قَائِمٌ بِالْفَلَكِ كَنُفُوسِ الْبَهَائِمِ وَكَمَا يَقُومُ بِالْإِنْسَانِ الشَّهْوَةُ وَالْغَضَبُ لَكِنَّ طَائِفَةً مِنْهُمْ كَابْنِ سِينَا وَغَيْرِهِ زَعَمُوا أَنَّ النَّفْسَ الْفَلَكِيَّةَ جَوْهَرٌ قَائِمٌ بِنَفْسِهِ كَنَفْسِ الْإِنْسَانِ وَمَا دَامَتْ نَفْسُ الْإِنْسَانِ مُدَبِّرَةً لِبَدَنِهِ سَمَّوْهَا نَفْسًا فَإِذَا فَارَقَتْ سَمَّوْهَا عَقْلًا؛ لِأَنَّ الْعَقْلَ عِنْدَهُمْ هُوَ الْمُجَرَّدُ عَنْ الْمَادَّةِ وَعَنْ عَلَائِقِ الْمَادَّةِ. وَأَمَّا النَّفْسُ فَهِيَ الْمُتَعَلِّقَةُ بِالْبَدَنِ تَعَلُّقَ التَّدْبِيرِ وَالتَّصْرِيفِ.

وَأَصْلُ تَسْمِيَتِهِمْ هَذِهِ مُجَرَّدَاتٍ هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ كَوْنِ الْإِنْسَانِ يُجَرِّدُ الْأُمُورَ الْعَقْلِيَّةَ الْكُلِّيَّةَ عَنْ الْأُمُورِ الْحِسِّيَّةِ الْمُعَيَّنَةِ فَإِنَّهُ إذَا رَأَى أَفْرَادًا لِلْإِنْسَانِ كَزَيْدِ وَعَمْرٍو عَقَلَ قَدْرًا مُشْتَرِكًا بَيْنَ الْأَنَاسِيِّ وَبَيْنَ الْإِنْسَانِيَّةِ الْكُلِّيَّةِ الْمُشْتَرِكَةِ الْمَعْقُولَةِ فِي قَلْبِهِ. وَإِذَا رَأَى الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ وَبَهِيمَةَ الْأَنْعَامِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَفْرَادِ الْحَيَوَانِ عَقَلَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرًا كُلِّيًّا مُشْتَرِكًا بَيْنَ الْأَفْرَادِ وَهِيَ الْحَيَوَانِيَّةُ الْكُلِّيَّةُ الْمَعْقُولَةُ. وَإِذَا رَأَى مَعَ ذَلِكَ الْحَيَوَانَ وَالشَّجَرَ وَالنَّبَاتَ عَقَلَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرًا مُشْتَرِكًا كُلِّيًّا وَهُوَ الْجِسْمُ النَّامِي الْمُغْتَذِي وَقَدْ يُسَمُّونَ ذَلِكَ النَّفْسَ النَّبَاتِيَّةَ.

وَإِذَا رَأَى مَعَ ذَلِكَ سَائِرَ الْأَجْسَامِ الْعُلْوِيَّةِ الْفَلَكِيَّةِ وَالسُّفْلِيَّةِ الْعُنْصُرِيَّةِ عَقَلَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرًا مُشْتَرِكًا كُلِّيًّا هُوَ الْجِسْمُ الْعَامُّ الْمُطْلَقُ وَإِذَا رَأَى مَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الْمَوْجُودَاتِ عَقَلَ مِنْ ذَلِكَ قَدْرًا مُشْتَرَكًا كُلِّيًّا وَهُوَ الْوُجُودُ الْعَامُّ الْكُلِّيُّ الَّذِي يَنْقَسِمُ إلَى جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ وَهَذَا الْوُجُودُ هُوَ عِنْدَهُمْ مَوْضُوعُ " الْعِلْمِ الْأَعْلَى " النَّاظِرِ فِي الْوُجُودِ وَلَوَاحِقِهِ وَهِيَ " الْفَلْسَفَةُ الْأُولَى " وَ " الْحِكْمَةُ الْعُلْيَا " عِنْدَهُمْ. وَهُمْ يُقَسِّمُونَ الْوُجُودَ: إلَى جَوْهَرٍ وَعَرَضٍ وَالْأَعْرَاضُ يَجْعَلُونَهَا " تِسْعَةَ أَنْوَاعٍ " هَذَا هُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعُهُ يَجْعَلُونَ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَنْطِقِ؛ لِأَنَّ فِيهِ الْمُفْرَدَاتِ الَّتِي تَنْتَهِي إلَيْهَا الْحُدُودُ الْمُؤَلَّفَةُ وَكَذَلِكَ مَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ مِمَّنْ صَنَّفَ فِي هَذَا الْبَابِ كَابْنِ حَزْمٍ وَغَيْرِهِ. وَأَمَّا ابْنُ سِينَا وَأَتْبَاعُهُ فَقَالُوا: " الْكَلَامُ فِي هَذَا لَا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير