تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الْعَيْنَ إذَا صُرِفَتْ إلَى النَّظَرِ فِي الْأَشْيَاءِ فَقَدْ وُضِعَتْ فِي مَوْضِعِهَا أَمَّا إذَا لَمْ يُصْرَفْ إلَى الْعِلْمِ وَلَمْ يُوعَ فِيهِ الْحَقُّ فَقَدْ نَسِيَ رَبَّهُ فَلَمْ يُوضَعْ فِي مَوْضِعٍ بَلْ هُوَ ضَائِعٌ وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ نَقُولَ قَدْ وُضِعَ فِي مَوْضِعٍ غَيْرِ مَوْضِعِهِ بَلْ لَمْ يُوضَعْ أَصْلًا. فَإِنَّ مَوْضِعَهُ هُوَ الْحَقُّ وَمَا سِوَى الْحَقِّ بَاطِلٌ فَإِذَا لَمْ يُوضَعْ فِي الْحَقِّ لَمْ يَبْقَ إلَّا الْبَاطِلُ وَالْبَاطِلُ لَيْسَ بِشَيْءِ أَصْلًا وَمَا لَيْسَ بِشَيْءِ أَحْرَى أَنْ لَا يَكُونَ مَوْضِعًا. وَالْقَلْبُ هُوَ نَفْسُهُ لَا يَقْبَلُ إلَّا الْحَقَّ. فَإِذَا لَمْ يُوضَعْ فِيهِ فَإِنَّهُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَ مَا خُلِقَ لَهُ. {سُنَّةَ اللَّهِ} {وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ لَيْسَ بِمَتْرُوكِ مُخِلٍّ فَإِنَّهُ لَا يَزَالُ فِي أَوْدِيَةِ الْأَفْكَارِ وَأَقْطَارِ الْأَمَانِي لَا يَكُونُ عَلَى الْحَالِ الَّتِي تَكُونُ عَلَيْهَا الْعَيْنُ وَالْأُذُنُ مِنْ الْفَرَاغِ وَالتَّخَلِّي فَقَدْ وُضِعَ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ لَا مُطْلَقٍ وَلَا مُعَلَّقٍ مَوْضُوعٍ لَا مَوْضِعَ لَهُ. وَهَذَا مِنْ الْعَجَبِ فَسُبْحَانَ رَبِّنَا الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ وَإِنَّمَا تَنْكَشِفُ لِلْإِنْسَانِ هَذِهِ الْحَالُ عِنْدَ رُجُوعِهِ إلَى الْحَقِّ إمَّا فِي الدُّنْيَا عِنْدَ الْإِنَابَةِ أَوْ عِنْدَ الْمُنْقَلَبِ إلَى الْآخِرَةِ فَيَرَى سُوءَ الْحَالِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا وَكَيْفَ كَانَ قَلْبُهُ ضَالًّا عَنْ الْحَقِّ. هَذَا إذَا صُرِفَ فِي الْبَاطِلِ. فَأَمَّا لَوْ تُرِكَ وَحَالُهُ الَّتِي فُطِرَ عَلَيْهَا فَارِغًا عَنْ كُلِّ ذِكْرٍ خَالِيًا عَنْ كُلِّ فِكْرٍ فَقَدْ كَانَ يَقْبَلُ الْعِلْمَ الَّذِي لَا جَهْلَ فِيهِ وَيَرَى الْحَقَّ الَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ فَيُؤْمِنُ بِرَبِّهِ وَيُنِيبُ إلَيْهِ. فَإِنَّ كُلَّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أَوْ يُنَصِّرَانِهِ أَوْ يُمَجِّسَانِهِ كَمَا تُنْتِجُ الْبَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمْعَاءَ لَا يُحَسُّ فِيهَا مِنْ جَدْعٍ {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} وَإِنَّمَا يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْحَقِّ فِي غَالِبِ الْحَالِ شُغْلُهُ بِغَيْرِهِ مِنْ فِتَنِ الدُّنْيَا وَمَطَالِبِ الْجَسَدِ وَشَهَوَاتِ النَّفْسِ فَهُوَ فِي هَذِهِ الْحَالِ كَالْعَيْنِ النَّاظِرَةِ إلَى وَجْهِ الْأَرْضِ لَا يُمْكِنُهَا أَنْ تَرَى مَعَ ذَلِكَ الْهِلَالَ أَوْ هُوَ يَمِيلُ إلَيْهِ فَيَصُدُّهُ عَنْ اتِّبَاعِ الْحَقِّ فَيَكُونُ كَالْعَيْنِ الَّتِي فِيهَا قَذًى لَا يُمْكِنُهَا رُؤْيَةَ الْأَشْيَاءِ. ثُمَّ الْهَوَى قَدْ يَعْتَرِضُ لَهُ قَبْلَ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ فَيَصُدُّهُ عَنْ النَّظَرِ فِيهِ فَلَا يَتَبَيَّنُ لَهُ الْحَقُّ كَمَا قِيلَ: حُبُّك الشَّيْءَ يُعْمِي وَيَصُمُّ. فَيَبْقَى فِي ظُلْمَةِ الْأَفْكَارِ وَكَثِيرًا مَا يَكُونُ ذَلِكَ عَنْ كِبْرٍ يَمْنَعُهُ عَنْ أَنْ يَطْلُبَ الْحَقَّ {فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ} وَقَدْ يَعْرِضُ لَهُ الْهَوَى بَعْدَ أَنْ عَرَفَ الْحَقَّ فَيَجْحَدَهُ وَيُعْرِضَ عَنْهُ كَمَا قَالَ رَبُّنَا سُبْحَانَهُ فِيهِمْ: {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير