تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وَالثَّانِيَةُ: تُعَانِدُ الْحَقَّ وَتَصُدُّ عَنْهُ مِثْلَ الْآرَاءِ الْبَاطِلَةِ وَالْأَهْوَاءِ الْمُرْدِيَةِ مِنْ الْكُفْرِ وَالنِّفَاقِ وَالْبِدَعِ وَشِبْهِ ذَلِكَ بَلْ الْقَلْبُ لَمْ يُخْلَقْ إلَّا لِذِكْرِ اللَّهِ فَمَا سِوَى ذَلِكَ فَلَيْسَ مَوْضِعًا لَهُ. ثُمَّ ذَكَرَ " ثَانِيًا " وَصْفَ الْعَدَمِ فِيهِ فَقَالَ بِغَيْرِ إنَاءٍ ثُمَّ يَقُولُ: إذَا وَضَعْته بِغَيْرِ إنَاءٍ ضَيَّعْته وَلَا إنَاءَ مَعَك كَمَا تَقُولُ حَضَرْت الْمَجْلِسَ بِلَا مَحْبَرَةٍ فَالْكَلِمَةُ حَالٌ مِنْ الْوَاضِعِ. لَا مِنْ الْمَوْضُوعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. وَبَيَانُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّهُ يَقُولُ إذَا مَا وَضَعْت قَلْبَك فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ فَقَدْ شُغِلَ بِالْبَاطِلِ وَلَمْ يَكُنْ مَعَك إنَاءٌ يُوضَعُ فِيهِ الْحَقُّ وَيَنْزِلُ إلَيْهِ الذِّكْرُ وَالْعِلْمُ الَّذِي هُوَ حَقُّ الْقَلْبِ فَقَلْبُك إذًا مُضَيَّعٌ ضَيَّعْته مِنْ وَجْهَيْ التَّضْيِيعِ وَإِنْ كَانَا مُتَّحِدَيْنِ مِنْ جِهَةِ أَنَّك وَضَعْته فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ وَمِنْ جِهَةِ أَنَّهُ لَا إنَاءَ مَعَك يَكُونُ وِعَاءً لِلْحَقِّ الَّذِي يَجِبُ أَنْ يُعْطَاهُ؛ كَمَا لَوْ قِيلَ لِمَلِكِ قَدْ أَقْبَلَ عَلَى اللَّهْوِ: إذَا اشْتَغَلَ بِغَيْرِ الْمَمْلَكَةِ وَلَيْسَ فِي الْمَمْلَكَةِ مَنْ يُدَبِّرُهَا فَهُوَ مَلِكٌ ضَائِعٌ لَكِنَّ الْإِنَاءَ هُنَا هُوَ الْقَلْبُ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْقَلْبَ لَا يَنُوبُ عَنْهُ غَيْرُهُ فِيمَا يَجِبُ أَنْ يُوضَعَ فِيهِ {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}.

وَإِنَّمَا خَرَجَ الْكَلَامُ فِي صُورَةِ اثْنَيْنِ بِذِكْرِ نَعْتَيْنِ لِشَيْءِ وَاحِدٍ. كَمَا جَاءَ نَحْوُهُ فِي قَوْله تَعَالَى {نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ} {مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ} قَالَ قتادة وَالرَّبِيعُ: هُوَ الْقُرْآنُ: فَرَّقَ فِيهِ بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ وَالْحَقِّ وَالْبَاطِلِ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ إذَا كَانَ لَهُ وَصْفَانِ كَبِيرَانِ فَهُوَ مَعَ وَصْفٍ وَاحِدٍ كَالشَّيْءِ الْوَاحِدِ وَمَعَ الْوَصْفَيْنِ بِمَنْزِلَةِ الِاثْنَيْنِ حَتَّى لَوْ كَثُرَتْ صِفَاتُهُ لَتَنَزَّلَ مَنْزِلَةَ أَشْخَاصٍ. أَلَا تَرَى أَنَّ الرَّجُلَ الَّذِي يُحْسِنُ الْحِسَابَ وَالطِّبَّ يَكُونُ بِمَنْزِلَةِ حَاسِبٍ وَطَبِيبٍ وَالرَّجُلُ الَّذِي يُحْسِنُ النِّجَارَةَ وَالْبِنَاءَ بِمَنْزِلَةِ نَجَّارٍ وَبَنَّاءٍ. وَالْقَلْبُ لَمَّا كَانَ يَقْبَلُ الذِّكْرَ وَالْعِلْمَ فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ الْإِنَاءِ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الْمَاءُ وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْبَيْتِ الْإِنَاءَ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَسْمَاءِ الْقَلْبِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَكُونُ رَقِيقًا وَصَافِيًا وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي بِهِ الْمُسْتَطْعِمُ الْمُسْتَعْطِي فِي مَنْزِلَةِ الْبَائِسِ الْفَقِيرِ. وَلَمَّا كَانَ يَنْصَرِفُ عَنْ الْبَاطِلِ فَهُوَ زَكِيٌّ وَسَلِيمٌ فَكَأَنَّهُ اثْنَانِ. وَلِيَتَبَيَّنَ فِي الصُّورَةِ أَنَّ الْإِنَاءَ غَيْرُ الْقَلْبِ فَهُوَ يَقُولُ: إذَا وَضَعْت قَلْبَك فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ. وَهُوَ الَّذِي يُوضَعُ فِيهِ الذِّكْرُ وَالْعِلْمُ وَلَمْ يَكُنْ مَعَك إنَاءٌ يُوضَعُ فِيهِ الْمَطْلُوبُ فَمِثْلُك مِثْلُ رَجُلٍ بَلَغَهُ أَنَّ غَنِيًّا يُفَرِّقُ عَلَى النَّاسِ طَعَامًا وَكَانَ لَهُ زُبْدِيَّةٌ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير