{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الذِي تَسَآلُونَ بِهِ وَالأَرْحَام إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيكم رَقِيبَاً}.
{يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدَاً يَصْلِحْ لَكُم أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِع اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزَاً عَظِيمَاً}.
أما بعد، فهذا كتاب صغير في حجمه، كبير في مادته وموضوعه، ولإمام من الأئمة الحفاظ المغمورين، أحببت التعليق عليه، وخدمته بما يليق به.
ودفعني إلى اختياره عدة أمور، من أهمها كونه أول كتاب يُصنف في الكبائر، بل يكاد يكون الكتاب الوحيد من الكتب المتقدمة التي وصلتنا في هذا الموضوع، إذ لم أقف على شيء مما ألف في بيان الكبائر قبل كتاب الذهبي سوى هذا الكتاب.
إضافة إلى أنه لإمام من الأئمة الحفاظ الذين لم يصلنا من مصنفاته إلا كتابين فقط، طبع أحدهما، وهذا هو الآخر، أحببت أن أقوم بتحقيقه وإخراجه إلى عالم المطبوعات، على الوجه اللائق به.
ولهذا وغيره قمت بتحقيقه ودراسته بما تقتضيه قواعد التحقيق، من غير تطويل ممل ولا إيجاز مخل، محاولاً قدر الإمكان التركيز على الجانب الحديثي في تعليقي على الكتاب.
ولذا فلم أر أن أترجم لرجال الإسناد كلهم، وإنما أقتصر على بيان حال من عليهم مدار الحديث، ممن يكون في بيان حالهم دور في تصحيح الحديث أو تضعيفه.
ولكني توسعت في تخريج الأحاديث، لأن هذا في نظري أهم من الإطالة في التراجم، وخاصة أن أكثر هذه الأحاديث جاء في أسانيدها بعض العلل، فكان لابد من التوسع في ذلك، لبيان الأوجه الراجحة من المرجوحة.
وقد قدمت للكتاب بمقدمة قصيرة، ذكرت فيها نبذة موجزة عن الكبائر، ثم ترجمة موجزة للمؤلف، ثم دراسة للكتاب، كما سيأتي.
وأخيراً هذا هو جهد المُقِل، ولا ينفك عن كونه عمل بشر، وعمل البشر مهما كان لا يخلو من النقص والخلل، وعذري أني بذلت جهدي واستطاعتي فيه، فما كان من صواب فبتوفيق من الله وحده، وما كان فيه من خلل ونقص فمني ومن الشيطان، وأسأل الله بمنه وكرمه أن يتجاوز ذلك كله عني.
كما أسأله - عز وجل - أن يجعل عملي هذا خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفعني به، يوم لا ينفع مال ولا بنون.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
نبذة موجزة عن الكبائر
تعريف الكبيرة:
اختلف العلماء في تعريف حد الكبيرة على أقوال كثيرة جداً ليس هنا موضع ذكرها وبيان اختلاف العلماء فيها.
ومن أشهر ما قيل في تعريف الكبيرة:
قيل: إن الكبيرة هي ما عليه حدٌّ في الشرع.
وقيل: إنها المعصية التي يلحق صاحبها الوعيد الشديد بنص كتاب أو سنة.
وقيل: إنها كل ذنب رُتب عليه حدٌّ في الدنيا، أو وعيد شديد في الآخرة.
وقيل: كل ما نهى الله عنه فهو كبيرة.
وقيل: هي كل ذنب خُتم بلعنة، أو غضب، أو نار.
وقد رجح هذا التعريف الأخير شيخ الإسلام ابن تيمية، وبين سلامة هذا التعريف من القوادح الواردة على غيره، وتكلم بكلام نفيس في هذا الجانب، فليراجع.
وقال الحافظ ابن حجر بعد استعراضه لعدد من الأقوال، قال: ومن أحسن التعاريف قول القرطبي في المفهم: "كل ذنب أطلق عليه بنص كتاب أو سنة أو إجماع أنه كبيرة أو عظيم، أو أخبر فيه بشدة العقاب، أو علق عليه الحد، أو شدد النكير عليه فهو كبيرة".
قال الحافظ: وعلى هذا فينبغي تتبع ما ورد فيه الوعيد أو اللعن أو الفسق، من القرآن، أو الأحاديث الصحيحة والحسنة، ويُضم إلى ما ورد فيه التنصيص في القرآن والأحاديث الصحاح والحسان على أنه كبيرة، فمهما بلغ مجموع ذلك عُرف منه تحرير عدّها.
وتبعاً للاختلاف السابق في تعريف الكبيرة اختلف العلماء أيضاً في تحديد عدد الكبائر، وما هي، فمن اقتصر على أنها ما جاء النص على أنه كبيرة قال إنها سبع، أو تسع، كما جاء ذلك في الأحاديث الواردة في الكبائر ومن عرّفها بتعريف أوسع قال إنها أكثر من ذلك، وهكذا.
ولمعرفة الأقوال في ذلك راجع المصادر المتقدمة في تعريف الكبيرة.
المؤلفات في الكبائر
¥