الإجماع منعقد على أن المرأة لا يحل لها كشف شعر ولا نحر، ولا ساق ولا فخذ أمام الرجال الأجانب، والخلاف إنما هو في الوجه والكفين، هل يجوز كشفهما أم لا.
والإجماع منعقد على أن للمرأة أن تغطي وجهها وكفيها، خارج الصلاة والإحرام، وأن ذلك إما مستحب وإما واجب عليها.
فكيف يسوغ لشيخ الأزهر أن ينكر على من فعلت واجباً أو مستحباً، ويترك الإنكار على من فعلت منكراً صريحاً، أجمع الفقهاء على إنكاره؟
تسامح شيخ الأزهر
كثيراً ما سمعنا فضيلة الشيخ سيد طنطاوي، منذ أن كان مفتي مصر، ينادي بالتسامح واللين وترك التطرف في الدين، وينادي بالتقريب بين المذاهب والأديان.
وفضيلته على علم بما يفعله كثير من العوام عند الأضرحة والمشاهد في مصر، من استغاثة بالأموات وذبح القرابين لهم، ودعائهم من دون الله، لكشف الضر وجلب الخير.
فهل دعاء الأموات وسؤالهم الحاجات والطواف بالأضرحة وذبح القرابين لها يمت إلى الإسلام بصلة من قريب أو بعيد؟
وإن كان لا يمت إلى الإسلام بصلة، فأين إنكارك للمنكر يا شيخ الأزهر؟
وحانات مصر وملاهيها يحصل فيها من المنكرات ما لايخفى على رب الأرض والسموات.
فهل شرب الخمور ورقص العاريات وما يصاحبه من المنكرات، مما يمت إلى الإسلام بصلة يا شيخ الأزهر؟
وإذا وسع شيخ الأزهر السكوت عن شرك عُبّاد الأضرحة والقبور، ووسعه السكوت عما يفعله أهل الخنا والفجور، ووسعه السكوت عن دعاة العري والسفور، فلماذا لم يسعه السكوت عن الفتيات المنقبات ذوات الخدور؟
أين دعوى التسامح واللين وترك التشدد في الدين، التي يدندن حولها الشيخ في كل حين؟
لماذا نرى تسامح فضيلته ولطف معاملته مع كل طوائف المجتمع، حتى مع اليهود والنصارى والمشركين، ولا نراه مع المخالفين له في مسائل من فروع الدين، مثل النقاب وغيره؟ أم إن السماحة واللين مأمور بها فقط مع أعداء الدين، ومع المجاهرين بالمنكرات من المسلمين، دون عباد الله الصالحين؟
لعلكم سمعتم معي رد شيخ الأزهر على الكفرة الفجرة الذين شتموا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكيف كان يتكلم عن تلك الجريمة الشنعاء التي اقشعرت لها الجلود والقلوب، كان الشيخ في رده في غاية الهدوء واللطف والبرود، حتى خشينا على الشيخ أن يذوب، وكأنه يتحدث عن مسألة من صغار الذنوب، لا من عظائم الخطوب!
{لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم}
لا ريب أن هذه الحادثة كانت مصيبة وكارثة على المتنقبات في مصر، ولا يبعد أن يتذرع بها أعداء الدين من الكفرة و الملحدين، فيبالغوا في الإساءة إلى أخواتنا المؤمنات المهاجرات في بلاد الغرب، محتجين بما فعله شيخ الأزهر بشأن النقاب، فيمنعوا النقاب والحجاب ويفرضوا السفور على المؤمنات.
إني لأذكر تلك المصيبة التي حلت بأخواتنا في بعض بلاد الشرق، قبل سنوات، حين ذهب شيخ أزهري من الدعاة المعروفين، وأنكر النقاب، فصدر في البلاد مرسوم يمنع النقاب في الجامعة، وشدد الخناق على أخواتنا المنقبات، ولعل ذلك الداعية الأزهري المتسامح قد شفى صدره بما فعله، حيث أشعل نار الفتنة التي لا تزال تكوى بها أخواتنا المتنقبات في تلك البلاد حتى الآن.
وهاهو شيخ الأزهر يكرر ما فعله ذلك الداعية المشهور، ويعيدها جذعة، ولكن الخطب هنا أشد، لأن شيخ الأزهر أشهر من ذلك الداعية، ومنصبه أكبر، وقد أسرعت وزارة التعليم المصري بعد ذلك، فأصدرت بياناً مفاده أنه سيتم تفعيل القرار الذي اتخذته الوزارة من قبل وأيدته المحكمة الدستورية أخيراً بمنع التلميذات والمعلمات من ارتداء النقاب داخل الصفوف.
والعجيب أن شيخ الأزهر وقبله ذلك الداعية الأزهري، من أكثر دعاة التسامح وترك التطرف، وما أدري ما الذي دعاهما إلى التطرف والتشديد على المسلمات المنقبات؟
ومع ذلك، فإني أسأل الله تعالى وأرجوه أن يجعل من هذه المحنة منحة، وأن يعقب هذه المصيبة خيراً ورحمة على الأمة، وهذا ما عهدناه من سنن الله الكونية الشرعية.
لقد جعل الله من حادثة الإفك، التي تولى كبرها رأس المنافقين، خيراً ورحمة، كما قال تعالى {إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شراً لكم بل هو خير لكم} الآية.
وكل من أراد أن ينال من الإسلام والمسلمين، ولو زعم أنه على الحق، فإن الله تعالى سيدحره وسينصر دينه ويعلي كلمته، فإن كلمة الله هي العليا، وستظل هي العليا أبد الآبدين.
{إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد}.
الخاتمة
وبعد، فإني أطلت كثيراً في بحثي هذا، ولم يكن غرضي منه تفصيل حكم النقاب وذكر المذاهب فيه، لأن المسألة قد أشبعت بحثاً وجدالاً من قديم الزمان، والخلاف في المسألة يعد من خلاف الفروع، ولم أرجح في بحثي هذا مذهباً على غيره، والأمر فيها واسع.
وقد علمت أن حكمه يدور بين الوجوب والاستحباب.
وقد ذكر كثير من أهل العلم أنه إن خشيت الفتنة فإنه يلزمها ستروجهها عن الرجال الأجانب.
ولا ريب أن الفتنة الآن تكاد تكون متحققة، إلا ما ندر. والله تعالى أعلم.
* وأوجه نصيحة إلى علماء المسلمين عامة، وإلى شيخ الأزهر خاصة، أقول لهم: اتقوا الله فيما تقولون وما تفعلون، إنكم مسئولون يوم القيامة عما استرعاكم الله عليه من أمور الناس، ولا تستنكفوا عن الرجوع إلى الحق، فالحق قديم، والحق أحق أن يتبع.
لقد كان علماء السلف، ومنهم الأئمة الأربعة، يرجعون عن أقوالهم إذا تبين لهم مخالفتها للدليل، ومخالفتها لما هو أقوى منها، ولهذا كان لهم مذهبان وقولان، بل ربما كان لهم أقوال في المسألة الواحدة، وقديم الشافعي وجديده أكبر شاهد على ذلك.
وأنتم تقولون القول، تتمسكون به حتى الممات، وكأنكم أعلم ممن سبقكم ممن مات.
هذا وأسأل الله تعالى أن يهدينا جميعاً لما يحبه ويرضاه من الأقوال والأفعال، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
وكتب / سمير بن خليل المالكي المكي الحسني
9/ 11 / 1430هـ
جوال 0591114011
¥