تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[علاج مرض الشهوة]

ـ[أبو عبد الله مصطفى]ــــــــ[02 - 11 - 09, 02:05 م]ـ

[علاج مرض الشهوة]

قيل: نعم.

الجواب من أصل:" ما أنزل الله من داء؛ إلا جعل له دواء؛ علمه من علمه وجهله من جهلة " (1)

والكلام في دواء هذا الداء من طريقين:

أحدهما: حسم مادته قبل حصولها.

والثاني: قلعها بعد نزولها.

وكلاهما يسير على من يسره الله عليه، ومتعذر على من لم يعنه الله؛ فإن أزمة الأمور بيديه.

[التدابير العملية الواقية من مرض الشهوة]

وأما الطريق المانع من حصول هذا الداء [فهي ثلاثة أمور]:

صدق الله العظيم أحدهما غض البصر: فإن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس، ومن أطلق لحظاته؛ دامت حسراته.

فاللحظات: هي رائد الشهوة ورسولها، وحفظها أصل حفظ الفرج؛ فمن أطلق نظره أورده موارد الهلاك.

وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: " يا على لا تتبع النظرة النظرة؛ فإنما لك الأولى، وليست لك الأخرى " (2).

وقال: " إياكم والجلوس على الطريق ". قالوا: يا رسول الله! مجالسنا، مالنا بد منها!! قال: "فإن كنتم لا بد فاعلين؛ فأعطوا الطريق حقه "قالوا: وما حقه؟ قال: " غض البصر وكف الأذى ورد السلام " (3).

والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان؛ فإن النظرة تولد خطرة، ثم تولد الخطرة فكرة، ثم تولد الفكرة شهوة، ثم تولد الشهوة إرادة، ثم تقوى فتصير عزيمة جازمة، فيقع الفعل، ولا بد، ما لم يمنع منه مانع.

وفى هذا قيل:الصبر على غضّ البصر أيسرُ من الصبر على ألم ما بعده.

قال الشاعر:

كلُّ الحوادثِ مبدأها من النظرِ ومُعظَمُ النارِ مِنْ مُستصغَر الشَّررِ


(1) أخرجه: أحمد (4/ 278) من حديث أسامة بن شريك رضي الله عنه، وصححه الألباني في السلسلة (451).
(2) أخرجه: أبو داود (2148) والترمذي (2776) وأحمد (5/ 353) وقد حسنه الألباني في جلباب المرأة المسلمة ص 77.
(3) أخرجه: البخاري (2465) ومسلم (2121) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.
كمْ نظرةٍ بلَغَت منْ قلْبِ صاحبِها كمبلغِ السهْم بينَ القوسِ والوتر
والعبدُ ما دام ذا طَرْفٍ يُقَلِّبُه في أعُين الغيْدِ مَوقوفٌ على الخَطَرِ
يَسُرُّ مُقْلَتَهُ ما ضَرَّ مُهْجَته لا مَرْحباً بِسُرورٍ عادَ بالضَّررِ
ومن آفات النظر: أنه يورث الحسرات والزفرات والحرقات، فيرى العبد ما ليس قادراً عليه ولا صابرا عنه، وهذا من أعظم العذاب: أن ترى ما لا صبر لك عنه ولا عن بعضه ولا قدرة لك عليه ولا عن بعضه. قال الشاعر:
وكُنْتَ متى أرسلْتَ طَرْفَكَ رائِداً لقلْبكَ يوماً أتعبتْكَ المناظِرُ
رأيتَ الذي لا كُلُّهُ أنتَ قادرٌ عليهِ ولا عنْ بعضهِ أنتَ صابرُ
وقد قيل: إن حبس اللحظات أيسرُ من دوام الحسرات.
صدق الله العظيم وفي غض البصر عدة منافع:
أحدها: أنه امتثال لأمر الله، الذي هو غاية سعادة العبد في معاشه ومعاده؛ وليس للعبد في دنياه وآخرته أنفع من امتثال أوامر ربه تبارك وتعالى،وما سعد من سعد في الدنيا و الآخرة إلا بامتثال أوامره، وما شقي من شقي في الدنيا والآخرة إلا بتضييع أوامره.
الثانية: أنه يمنع من وصول أثر السهم المسموم الذي لعل فيه هلاكه إلى قلبه.
الثالثة: أنه يورث القلب أنسا بالله وجمعيَّة على الله؛ فإن إطلاق البصر؛ يفرق القلب ويشتته ويبعده عن الله، وليس على القلب شيء أضر من إطلاق البصر؛ فإنه يوقع الوحشة بين العبد وبين ربه.
الرابعة: أنه يقوي القلب ويفرحه كما أن إطلاق البصر يضعفه ويحزنه.
الخامسة: أنه يكسب القلب نوراً كما أن إطلاقه يكسبه ظلمة:
وإذا استنار القلب؛ أقبلت وفود الخيرات إليه من كل ناحية؛ كما أنه إذا أظلم؛ أقبلت سحائب البلاء والشر عليه من كل مكان؛ فما شئت من بدع، وضلالة، واتباع هوى، واجتناب هدى، وإعراض عن أسباب السعادة، واشتغال بأسباب الشقاوة؛ فإن ذلك إنما يكشفه له النور الذي في القلب؛ فإذا فُقِد ذلك النور؛ بقى صاحبه كالأعمى الذي يجوس (1) في حنادس الظلمات. (2)
السادسة: أنه يورث فراسة صادقة يميز بها بين الحق والبطل والصادق والكاذب.
وكان شاه بن شجاع الكرماني يقول: (من عمر ظاهره باتباع السنة، وباطنه بدوام المراقبة،وغض بصره عن المحارم، وكف نفسه عن الشهوات، واغتذى بالحلال لم تخط له فراسة) (3).
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير