تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قصة القِرْدة التي زنت فرجمتها القِرَدة

ـ[اسلام سلامة علي جابر]ــــــــ[04 - 11 - 09, 07:53 م]ـ

قصة القِرْدة التي زنت فرجمتها القِرَدة

أولا: ما هو الشرح الصحيح للحديث الذي رواه الصحابي عمرو بن ميمون في صحيح البخاري: (رأيت في الجاهلية قردة اجتمع عليها قردة قد زنت فرجموها فرجمتها معهم) ثانيا: هل نستنتج من هذا الحديث أن بعض الحيوانات تتزوج من بعضها البعض، وترتكب الزنا بالمثل؟ وكيف يكون الشرح لمن يسأل عن طبيعة وشكل زواج الحيوانات من بعضها البعض؟

الحمد لله

أولاً:

هذه القصة رواها الإمام البخاري (3849) عن عمرو بن ميمون قال: (رَأَيْتُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ، قَدْ زَنَتْ، فَرَجَمُوهَا، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ).

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:

"ساق الإسماعيلي هذه القصة من وجه آخر مطولة، من طريق عيسى بن حطان، عن عمرو بن ميمون قال:

كنت في اليمن في غنم لأهلي وأنا على شرف، فجاء قرد من قردة فتوسد يدها، فجاء قرد أصغر منه فغمزها، فسلت يدها من تحت رأس القرد الأول سلا رفيقا وتبعته، فوقع عليها وأنا أنظر، ثم رجعت فجعلت تدخل يدها تحت خد الأول برفق، فاستيقظ فزعا، فشمها فصاح، فاجتمعت القرود، فجعل يصيح ويومئ إليها بيده، فذهب القرود يمنة ويسرة، فجاءوا بذلك القرد أعرفه، فحفروا لهما حفرة فرجموهما، فلقد رأيت الرجم في غير بني آدم" انتهى.

"فتح الباري" (7/ 160).

هذه الرواية ـ كما هو ظاهر ـ ليست من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ولا كلام أحد من أصحابه رضي الله عنهم، وإنما رواها البخاري رحمه الله حكاية عما شاهده عمرو بن ميمون، وهو الأودي، أبو عبد الله الكوفي، توفي سنة (74هـ)، أدرك الجاهلية والنبوة وأسلم، ولكنه لم ير النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك لم يعده العلماء من الصحابة، وإنما من المخضرمين من كبار التابعين.

انظر ترجمته في "تهذيب التهذيب" (8/ 11).

ومعلوم أن السنة النبوية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم هي التي يجب الإيمان بها والتسليم بما جاء فيها، أما ما يحكيه أحد التابعين عن مشاهدته فلا يرتقي إلى منزلة السنة النبوية بأي حال من الأحوال.

فإذا أدركنا أن الرواية إنما هي كلامٌ ساقه أحد التابعين عما شاهده، أمكننا إدراك الاحتمالات الواردة عليها، وعرفنا أنه لا حرج على من تشكك في حقيقة ما جرى بين القردة، أو نسب إلى عمرو بن ميمون توهم وقوع الرجم عقوبة على السفاد بين القردة، فمن المقطوع به أن عمرو بن ميمون لم يكن يفهم منطق القردة، وإنما هو ظنه، وذلك ما يمكن مخالفته فيه، وعدم التسليم به.

قال ابن قتيبة الدينوري رحمه الله:

"قالوا – يعني المستهزئين بالسنة الطاعنين عليها -: رَويتم أن قرودا رجمت قردة في زنا ..

ونحن نقول في جواب هذا الاستهزاء: إن حديث القرود ليس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه، وإنما هو شيء ذكر عن عمرو بن ميمون ... وقد يمكن أن يكون رأى القرود ترجم قردة فظن أنها ترجمها لأنها زنت، وهذا لا يعلمه أحد إلا ظنا؛ لأن القرود لا تنبئ عن أنفسها، والذي يراها تتسافد لا يعلم أزنت أم لم تزن، هذا ظن، ولعل الشيخ عرف أنها زنت بوجه من الدلائل لا نعلمه، فإن القرود أزنى البهائم، والعرب تضرب بها المثل فتقول: أزنى من قرد، ولولا أن الزنا منه معروف ما ضربت به المثل، وليس شيء أشبه بالإنسان في الزواج والغيرة منه، والبهائم قد تتعادى ويثب بعضها على بعض، ويعاقب بعضها بعضا، فمنها ما يعض، ومنها ما يخدش، ومنها ما يكسر ويحطم، والقرود ترجم بالأكف التي جعلها الله لها كما يرجم الإنسان، فإن كان إنما رجم بعضها بعضا لغير زنا فتوهمه الشيخ لزنا فليس هذا ببعيد، وإن كان الشيخ استدل على الزنا منها بدليل وعلى أن الرجم كان من أجله فليس ذلك أيضا ببعيد، لأنها على ما أعلمتك أشد البهائم غيرة، وأقربها من بني آدم أفهاما" انتهى.

"تأويل مختلف الحديث" (255 - 256).

وقال ابن عبد البر رحمه الله:

"هذا عند جماعة أهل العلم منكر: إضافة الزنا إلى غير مكلف، وإقامة الحدود في البهائم" انتهى.

"الاستيعاب في معرفة الأصحاب" (3/ 1206).

وقال القرطبي رحمه الله:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير