تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بسم الله الرحمن الرحيم

إلى الأمراء و إلى الوزراء و إلى العقلاء المفكرين من المسلمين:

سلام الله ورحمته عليهم أجمعين، وأسأل الله لي ولهم التوفيق للتمسك بالدين وطاعة رب العالمين، وأن يعيذنا وإياهم من شرر أنفسنا وسيئات أعمالنا ومن همزات الشياطين.

أما بعد ــ فإن الدين النصيحة لله و لدينه و عباده المؤمنين، و قد أوجب الله علينا بنص القرآن بأن نتعاون على البر و التقوى، و أن نتناهى عن الإثم و العدوان، و أن دين الإسلام هو دين كامل و شرع شريف شامل، مبني على جلب المصالح و درء المفاسد، فلا يحرم شيئا من المحرمات، إلا لأنه ضار بفاعله و بالناس مباشرة، و تسببا، و مدار سياسة الإسلام على ستة أمور، أحدها: حفظ الدين، و الثاني: حفظ الأنفس، و الثالث: حفظ الأموال، و الرابع: حفظ الأنساب، و الخامس: حفظ العقول، والسادس: حفظ العروض: أي حفظ الفروج.

و من أجل حفظ العروض، حرم الله الزنا و حرم الفواحش ما ظهر منها و ما بطن، و حرم إبداء زينة المرأة المسلمة لغير زوجها و محارمها، و نهى عن الخلوة بها و عن سفرها بغير محرم، و عن النظر إليها بشهوة، كل هذا الأمور حرمها لكونها تفضي إلى الفاحشة الكبرى و الوسائل لها أحكام المقاصد و درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، فالشرع الحكيم حمى، حمى العروض و سد الطرق التي تفضي إلى السفاه و الفساد و الإخلال بنظام النكاح الحلال، و قال:» تلك حدود الله فلا تعتدوها، ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه «و حدود الله محارمه.

إن الأمراء و العلماء و الوزراء، يجب أن يكونوا بمثابة المرابطين دون ثغر دينهم ووطنهم، يحمونه عن الإلحاد و تسرب دخول الفساد على العباد، لاعتبار أنهم متكاتفون متكافلون في جلب المصالح و دفع المضار، يأمرون بالمعروف و ينهون عن المنكر، و يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و يطيعون الله و رسوله.

فمتى قصر هؤلاء بواجبهم و تكاسلوا عن حماية دينهم ووطنهم و تركوا الخمور تجلب إلى بلدهم و الحوانيت تفتح لبيعها، و تركوا بلدهم معطنا لمراتع الفسوق، فلم يأخذوا على أيدي سفهائهم في منعهم عما يضرهم، فإنه بذلك يتحقق خراب البلاد و فساد العباد، و خاصة النساء و الأولاد، فتسود الفوضى و هتك الأعراض و يصابون بفتنة في الأرض و فساد كبير، لأن بقاء الأمم ببقاء أخلاقهم، فإذا ذهبت أخلاقهم ذهبوا. يقول الله:» و إذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا «و المراد بالهلاك هنا هو هلاك الأخلاق، لأنه أضرمن هلاك الأبدان، و الفتنة أشد من القتل.

إن العقلاء لا ينبغي لهم أن يغتروا بكثرة الأصوات في طلب ما هو محض الضرر عليهم في أخلاقهم، فإن كثرة الأصوات ليست بحجة في إباحة المحرمات مع قيام الدليل و البرهان على البطلان، و لأن كثرة الأصوات تنشأ غالبا عن الهوى و الحب للشيء. و الله يقول:» و إن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله، إن يتبعون إلا الظن و إن هم إلا يخرصون «. و أكثر الناس في هذا الزمان يفضلون التحلل عن عقل الدين و أخلاقه و آدابه و حلاله و حرامه، و يحبون أن يعيشوا في الدنيا عيشة البهائم، ليس عليهم أمر و لا نهي و لا صلاة و لا صيام و لا حلال و حرام.

و اعتبروا بالبلدان التي قوضت منها خيام الإسلام و ترك أهلها فرائض الصلاة و الصيام، و استباحوا الجهر بمنكرات الأخلاق و العصيان، و صرفوا جل عقولهم و جل أعمالهم و جل اهتمامهم للعمل في دنياهم، و إتباع شهوات بطونهم و فروجهم، و تركوا فرائض ربهم، و نسوا أمر آخرتهم، فانظروا كيف حالهم و ما دخل عليهم من النقص و الجهل و الكفر وفساد الأخلاق، و العقائد و الأعمال، حتى صاروا بمثابة البهائم، يتهارجون في الطرقات لا يعرفون صياما و صلاة، و لا يعرفون معروفا و لا ينكرون منكرا، و لا يمتنعون من قبيح و لا يهتدون إلى حق، قد ضرب الله قلوب بعضهم ببعض فذهبت منهم الديانة و فشت من بينهم الخيانة، واستشرت الفوضى و الفساد، فاعتبروا بسوء حالهم و فساد أعمالهم، " فإن خير الناس من وعظ بغيره "، و قد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لكم مثلا فاستمعوا له و أنصتوا لعلكم ترحمون، فقال: مثل القائم في حدود الله الذين ينكرون المنكرات و يسعون في إزالتها، ويأخذون

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير