تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بأيدي سفهائهم عن مواقعتها، و مثل الواقع في المنكرات كمثل قوم ركبوا في سفينة فصار بعضهم في أعلاها، أي في السطح و بعضهم في أسفلها، أي في الخن، فأراد الذين في الخن أن يخرقوا خرقا يتناولون منه ماء البحر من عندهم، قال: فإن أخذوا على أيديهم و منعوهم نجوا و نجوا جميعا، و إن تركوهم و ما يصنعون هلكوا و هلكوا جميعا.

و هذا مثل مطابق للواقع، فإن إنكار المنكرات هو مما يقلل فشوها و انتشارها، و إذا خفيت المعصية لم تضر إلا صاحبها. أما السكوت عن إنكار المنكرات، فإنه مدعاة إلى الغرق فيها، لكون السكوت عنها هو مما يسبب فشوها و انتشارها، و المحسن شريك للمسيء، إذا لم ينهه عن المنكر، و لتأخذون على يد السفيه و لتأطرنه على أطرا، (أي تلزمونه به إلزاما)، أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عذابا من عنده.

و أن هذا الاختلاط بين الشباب و الشابات، و احتكاك بعضهم ببعض جنبا إلى جنب، وجريان الحديث و المزاح من بينهما، ثم المصاحبة و الخلوة كما تقتضيه المجالسة و المؤانسة، فإن هذا العمل ضار في ذاته و مؤد إلى الفاحشة الكبرى في غايته و سوء عاقبته، لأنه يعد من أقوى الأسباب و الوسائل لإفساد البنات المصونات و تمكن الفساق من إغوائهن بنصب حبائل المكر والخداع.

و الفساق هم الذين يحرصون أشد الحرص على مثل هذا الاختلاط لينالوا أغراضهم , و يشبعوا شهواتهم من التمتع بالنظر إلى البنات المصونات عنهم طول الحياة، و الصيانة نعم العون على العفاف و الحصانة فإن من العصمة أن لا تقدر و ما من نظرة إلا و للشيطان فيها مطمع.

إلى متى نغش أنفسنا أو نغش بناتنا و أهل ملتنا، و نتعامى عما يترتب على هذا الاختلاط من فساد الآداب و مساوئ الأخلاق، فالنظرة هي نظرة في مبدأها لكنها تكون خطرة في القلب، ثم تكون خطوة بالقدم، ثم تكون خطيئة و كم نظرة أورثت صاحبها حسرة و هي تحسب من مقدمات الزنا لما في البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:» العينان تزنيان و زناهما النظر و القلب يصدق ذلك أو يكذبه «، و لهذا أمر الله المؤمنين، بأن يغضوا من أبصارهم و يحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم، و كما أمر المؤمنات بأن يغضضن من أبصارهن و يحفظن فروجهم و لا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها و ليضربن بخمرهن على جيوبهن، و كما أمر الله نساء نبيه و نساء المؤمنين بأن يدنين عليهم من جلابيبهن و أن لا يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى.

أيها الإخوان المسلمون:

إن تحويل النساء المسلمات عن الآداب الإسلامية و العادات العربية إلى إتباع تقليد النصارى و زيهم، عاداتهم إنه مبدأ لقطع الرابطة الإسلامية و الأخلاق الدينية، و تقويض لدعائم الشرف و الحياء و الستر و فتح لباب السفاح و الفساد.

فليس ضرره مقصورا على عصيان النساء لأمر الله في إبداء زينتهن للأجانب في هذا المقام، و جرأتهن في اختلاطهن بالأغيار و ما ينجم عنه من فنون الأضرار على الدين و الشرف و العرض فحسب، بل إن ضرره يتعدى بطريق العدوى و التقليد الأعمى من طور إلى طور و من بلد إلى بلد إذا لم يوجد من يعرضه بمنعه من القائمين على الناس بالإصلاح و العدل، لأن الأخلاق الحميدة تتعادل و الطباع تتناقل كما هو المعروف من انتشار البدع والأخلاق السيئة، و لهذا مدح النبي صلى الله عليه وسلم المتمسكين بدينهم عند فساد الناس، فقال» طوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس «و في رواية» يصلحون ما أفسد الناس «و هم قوم صالحون قليل في قوم سوء كبير. و الرجل الصالح يصلح الله به أهله و كثيرا من أهل بلده، و إن أكثر ما يجني على الناس بالشر و يوقعهم في فعل المنكر، هو تقليد بعضهم لبعض، لكون الناس في تقليدهم للغير يسهل في نفوسهم فعل ما يسوء فعله و لا قدوة في الشر، فقد قيل: لا تستوحش طرق الإسلام من قلة السالكين، و لا تغتر بكثرة الهالكين التاركين لأخلاق الدين، فإن الله يقول:» و ما أكثر الناس و لو حرصت بمؤمنين «.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير